أقلام حرة

سياسات الطاقة.. الفرص الضائعة وتداعياتها الكارثية

 

 

بحسب وزيرة الطاقة هالة زواتي يعتمد الاردن على الغاز بنسبة 92% لإنتاج الكهرباء والباقي ينتج من الطاقة الشمسية والرياح بنسبة 8%، علما بأن الخطة الحكومية الطموحة تسعى للوصول الى نسبة 16% من الطاقة المتجددة خلال السنوات القليلة القادمة.
الحقائق التي كشفت عنها الوزيرة اعادة الجدل وبقوة الى الساحة الاردنية حول سياسة الطاقة في الاردن خصوصا بعد انخفاض اسعار النفط الى ما يقارب 50 دولار، مسألة احرجت الحكومة ودفعتها الى تخفيضات لم تكن مقنعة للرأي العام الاردني؛ لتندفع الحكومة نحو تبرير الفاتورة المرتفعة لوقود التدفئة والنقل وبمعيته الكهرباء الى شروط صندوق النقد الدولي، كاشفة عن ثغرة كبيرة في آلية التفاوض وكفاءة المفاوض فالمفاوضات كانت تتعلق بالنفط وليس بالغاز، لتعيدنا الى اشكالية المفاوض في العديد من الملفات ومنها اتفاقية الغاز مع الكيان الاسرائيلي.
سياسة الطاقة لا تتوقف عند حدود تخفيض فاتورة الكهرباء والنقل بل على تشجيع الاستثمار وتحفيز النمو؛ فتخفيض اسعار الطاقة يحفز النمو بتخفيض الكلف التشغيلية للمنشأة الصناعية والزراعية والتجارية والاهم انه يحسن تنافسية السلع الاردنية بخفض كلف الانتاج التي تعد مرتفعة جدا في الاردن؛ ما انعكس على رفع اجور الايدي العاملة وارتفاع البطالة وتراجع السوق المحلية والقوة الشرائية للمواطن في آن واحد، متسببا في هروب رأس المال من الواقع المتدهور وارتفاع الكلف التشغيلية التي تسهم فيها عناصر ثلاث: الطاقة والضرائب والعمالة، وتنظمها قوانين استثمارية معقدة بتضاربها وعدم استقرارها.
اشكالية النمو في الاردن نابعة من هيمنة العقلية الريعية على توصيف الاقتصاد وصياغة القوانين والتشريعات والآليات؛ فالنفط ينظر له على انه اهم مورد للدولة في جني الضرائب الا ان هذه السياسة لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد بشقيه الكلي والجزئي، بشكل ينعكس على تراجع مدخولات الدولة من الضرائب وعجزها عن تنشيط السوق المحلي وجذب الاستثمارات وفتح الباب الاسواق اقليمية وعالمية بسبب ضعف التنافسية وتآكل
الطبقة المتوسطة.
مقال واحد لا يكفي لتوضيح فشل سياسة الطاقة في الاردن وهيمنة العقلية الريعية ذات النزعة الاحتكارية بفصل الاقتصاد الاردني عن منطق السوق وآليات عمله، كما كشفت عن ضعف المفاوض في الحكومات المتعاقبة سواء كان التفاوض مع صندوق النقد ام مع الشركاء التجاريين كتركيا ام مع الكيان الاسرائيلي في اتفاقية الغاز الكارثية.
سياسة الطاقة بحاجة الى مراجعة حقيقية؛ اذ ان لها تداعيات اقتصادية عميقة وبنيوية ولها تداعيات اجتماعية وسياسية على مزاج الاردنيين الذين حولوا الدوار الرابع لـ»هايد بارك» يجتمع فيه اليوم اصناف ثلاثة من المحتجين اخطرهم اصحاب المطالب الاقتصادية الواضحة، ووصول هذه الشريحة الى نقطة حرجة سيحول الرابع من هايد بارك الى ساحة احتجاج مقلقة للجميع.
ختاما.. الوقت نفد من الحكومات والمؤسسات الفاعلة وبات البحث عن حلول اصلاحية بعيدة المدى تستند الى تعديل في سياسات الطاقة مسألة جوهرية لتنشيط الاقتصاد ومعالجة التداعيات الاجتماعية فهي المشكل وهي الحل في آن واحد؛ خصوصا اننا على اعتاب نقلة نوعية في عالم الطاقة تقوده المصادر المتجددة التي تمثل ثروة الاردن الحقيقية والفرصة الضائعة المتوقع التباكي عليها مستقبلا.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page