أقلام حرة

باريس الصفراء ليست عربية

 

في النهاية وقبل ان تتفاقم الخسائر، قرر الرئيس الفرنسي، ماكرون، اجراء حوار مع المحتجين في شوارع باريس الذين يطلق عليهم «ذوي السترات الصفراء».
قبل ذلك كان ايمانويل ماكرون قاسيا، كأنه حاكم عربي يواجه تمردا، فهدد بإعلان الطوارئ، واعلن انه لن يتراجع عن رفع اسعار الوقود، واتهم بعض المتظاهرين بالمخربين.
اذاً، بعد اعتبارهم جماعة غوغاء، هاهو ايمانويل ماكرون، يعود لرشده، وينضبط بتقاليد الدولة الفرنسية الديمقراطية التي قامت تاريخيا على ثلاثية «حرية، اخاء، مساواة» فقرر الحوار مع المحتجين.
ما يلفت هنا ان العقل الغربي تسووي، ديمقراطي، فرغم موجات التخريب الا انه لم يخون المتظاهرين ويخرجهم عن الجماعة الوطنية، بل قرر في النهاية الجلوس معهم وتفهم غضبهم.
سقط من السترات الصفراء جرحى وهناك معتقلون، لكن لم اسمع عن قتلى ابدا، ولو حدث لربما سارع الرئيس بالاستقالة، مع ذلك لا زالت الامور هناك عرضة للتطور.
ادارة الازمة من قبل الحكومة الفرنسية، لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها العربية كما يحلو للبعض ان فعل منذ ايام، فهناك بون واسع، وفوارق ثقافية وديمقراطية تجعل القياس ممتنعا نهائيا.
اما طريقة الاحتجاجات، وتخريب الممتلكات، فهذا ليس مستغربا على الديمقراطيات الغربية، لكنها تبقى في اطار الفعل الناجم عن «سيكولوجية الجماهير» فلا تخوين ولا خروج عن الدولة.
في المحصلة، ما جرى ويجري في فرنسا يستأثر باهتماماتنا جميعا، لكن نتائجه معروفة، لن تكون هناك مأساة وتراجيديا كما حدث في ربيعنا العربي الموؤودة.
هذه الدول، تصالحت مع نفسها منذ عقود طويلة، التزمت بالمؤسسية العالية القادرة على ادارة اي احتجاج ووضعه في خدمة النظام العام.
ينادي المتظاهرون برحيل ماكرون «ارحل … ارحل»، لكن ماكرون ليس الدولة او النظام، انه مجرد حامل لبرنامج سياسي واقتصادي، بقاؤه وخروجه لن يغير من قيمة ادبيات الدولة.
هذا الفارق بيننا وبينهم، انهم دولة مؤسسات، الاشخاص لا يساوون الدولة عندهم، اما في بلادنا، فالقصة زواج كاثوليكي بين الاشخاص والمؤسسة، بل هي ابعد من ذلك، حيث تجلس الدولة في خدمة الشخص.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page