اليوم العالمي للملكية الفكرية: الاردن يستوعب الابتكار شرطا للحياة
الشاهين الاخباري
لم يكن الاهتمام بالعلم في الاردن شكليا تفرضه تقاليد إعداد الميزانيات، بل أصبح لازمة حياة وركنا أساسا فيها، ذلك أن الدولة الاردنية أدركت مبكرا أهمية الارتقاء بالبنى الاجتماعية والاقتصادية لدحر التخلف من منطلق ان مقياس تطور الدول وتقدمها اصبح يقاس بمقدار ما لديها من اختراعات لا بما تمتلكه من ثروات طبيعية.
وأشار هؤلاء المراقبون في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) الى أنه السياسات الاردنية لم تركن طيلة مئة عام الى العيش في الماضي لبعث شكل من أشكال الشعور بالمكانة، بل ان المملكة قطفت على مدى قرنها الاول ثمار الطريق الطويل الذي مهدته للأخذ بيد المجتمع وثقافته ومستواه المعيشي والحداثي.
وأتقن الاردن الذي سجل العام الماضي 217 اختراعا في المجال الصناعي، فهم مستجدات العصر وإدراك متطلباتها، خصوصا في ظل الانفجار المعرفي، وفي مقدمته “الملكية الفكرية” ومتاعبها المتشعبة.
والملكية الفكرية تشمل ابداعات العقل من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصورا مستخدمة في التجارة، وهي محمية قانونا في مجال البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية التي تمكن الأشخاص من كسب الاعتراف أو فائدة مالية من ابتكارهم أو اختراعهم، في بيئة تساعد على ازدهار الإبداع والابتكار.
مديرة مديرية حماية الملكية الصناعية في وزارة الصناعة والتجارة والتموين ريا النسور، أوضحت أن الأردن كدولة متحضرة، يعمل على النهوض بالنتاج العلمي والإبداعي عبر العديد من البرامج والمشاريع والأنظمة الهادفة الى حماية حقوق الملكية الفكرية بأشكالها الصناعية، كعلامات تجارية وبراءات اختراع ورسوم ونماذج صناعية.
واشارت الى أن المملكة تعتبر من الدول المتميزة في هذا المجال، لافتة الى أن الوزارة ستواصل جهودها للارتقاء بمنظومة الابتكار الشاملة، وصولا إلى تحقيق هدفها الاستراتيجي بأن تكون في مصاف الدول المبتكرة خلال السنوات المقبلة، فضلا عن استمرار عمل اللجنة الوطنية وتوسيع مظلة الجهات الحكومية ذات العلاقة بهذا المؤشر لضمان تحسين ترتيب المملكة في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني.
وفي هذا الصدد بينت ان الأردن حافظ على المرتبة 81 عالميا في مؤشر الابتكار العالمي لعام2021 وهو يشغل المرتبة التاسعة عربيا.
وفيما يخص براءات الاختراعات باعتبارها المؤشر الرئيس للابتكار، لفتت النسور، إلى أن الطلبات الخاصة بالقطاعات الطبية والصيدلانية تشكل النسبة الأكبر، حيث تصل إلى نحو 80 بالمئة من مجموع الطلبات الكلية، فيما تشكل الطلبات الهندسية بمختلف أنواعها الكيميائية منها والكيمياء الحيوية والكهربائية والميكانيكية والمدنية ومعالجة المياه ونظم المعلومات والزراعية نحو 20 بالمئة.
وبينت ان مديرية حماية الملكية الصناعية سجلت خلال العام الماضي، 5551 علامة تجارية و217 براءة اختراع و104 رسومات و / أو نماذج صناعية، وتجديد 5596 علامة تجارية، ونقل ملكية 1350 علامة تجارية و 2140 تعديلا قانونيا على العلامات التجارية، والفصل في 150 قضية ما بين اعتراض وتخل ومصالحة.
واضافت، ان المديرية عملت على تشجيع الابداع والابتكار ونشر الوعي بالملكية الصناعية، من خلال مشروع (الترويج والتوعية والتثقيف بأهمية الملكية الصناعية وسبل حمايتها)، كما تم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الثنائي بين مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية ووزارة الصناعة والتجارة والتموين.
وأشارت الى اطلاق جائزة حماية الملكية الصناعية الدورة الخامسة 2021 بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في مجال الرسوم والنماذج الصناعية، وكذلك اطلاق نسخة جديدة من نظام ادارة مكتب الملكية الصناعية الداخلي (IPAS 4 )، حيث أصبح الأردن أول بلد يستخدم هذا النظام وتم ربطه مع نظام الايداع الالكتروني.
وواصلت المديرية، بحسب النسور، تبادل بيانات براءات الاختراع الاردنية مع المكاتب العالمية، مثل المكتب الاوروبي وربطها مع عائلة البراءات العالمية، والمشاركة بالاجتماعات الدولية المتعلقة بمجال حماية الملكية الصناعية، وعقد عشر دورات تدريبية بحقوق حماية الملكية الصناعية.
وتفعيلا للدور الذي تقوم به مديرية حماية الملكية الصناعية لتشجيع الابتكارات، شاركت المديرية في العديد من النشاطات العملية والدورات التدريبية والاجتماعات الدولية المتخصصة، إضافة إلى اعلان الجوائز الخاصة بالملكية الصناعية ومتابعة مشروع سياسات الملكية الفكرية للجامعات والمراكز البحثية، مع التركيز على أهمية المؤسسات متناهية الصغر والمؤسسات الصغيرة والمؤسسات المتوسطة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز الابتكار والإبداع والعمل الملائم للجميع، بحسب النسور.
من جهته، أوضح الدكتور هشام شخاتره استاذ القانون المدني في جامعة جدارا والمستشار القانوني في شؤون الملكية الفكرية، ان مقياس تطور الدول وتقدمها اصبح يقاس بمقدار ما لديها من اختراعات لا بما تمتلكه من ثروات طبيعية.
ولفت الى ان التطور الهائل في مجال الملكية الفكرية، خصوصا في مجال تكنولوجيا المعلومات وما رافق ذلك من جرائم الاعتداء على حقوق المفكرين والمبدعين، وضع العالم امام مفاهيم ثانوية جديدة، كجرائم المعلومات التي لا تترك اثرا ماديا ومن الصعب اكتشافها، ما دفع العديد من الدول الى سن القوانين المنظمة للحقوق الفكرية وكيفية حمايتها .
واشار شخاتره الى ان الاردن حذا حذو الدول الاخرى للاهتمام بحماية حقوق الملكية الفكرية، حيث نظمها تحت مصطلح الحقوق المعنوية وسن التشريعات لحماية هذه الحقوق مثل قانون علامات البضائع وقانون الاسماء التجارية وقانون العلامات التجارية وقانون الرسم والنماذج الصناعية، وسواها، كما سارعت المملكة الى توقيع العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتخصصة، مثل اتفاقية تربس لحماية الملكية الفكرية واتفاقيات مدريد وباريس ولاهاي وجنيف.
وقال، ان المشرع الاردني اهتم بوضع قوانين تحمي حقوق الملكية الفكرية بحيث تسري على المواطنين والاجانب على حد سواء، فعلى سبيل المثال قانون العلامة التجارية الاردني يجيز لأي شخص اردني أو أجنبي ان يطلب حماية علامته التجارية المسجلة في دولة اجنبية ترتبط مع الاردن بمعاهدة دولية.
وبين شخاتره ان الدول المتقدمة سعت الى استقطاب العقول المبدعة من الدول النامية والفقيرة التي كانت في سبات عميق، حيث هاجرت اغلب العقول المبدعة من هذه الدول النامية إلى الدول المتقدمة، بحيث يزيد من هيمنة الدول الكبرى ويقلل من شأن الدول الفقيرة من خلال احتكار الدول الكبرى للاختراعات وتبقى الدول الفقيرة والنامية معتمدة على هذه الدول في كل شيء، الامر الذي اوجد اشكالية حقيقية حول مسألة تنظيم وحماية حقوق الملكية الفكرية على الصعيد العالمي.
فعلى سبيل المثال، هاجر من مصر خلال العقود الماضية 450 الف عالم الى الدول الغربية وهم من ذوي التخصصات النادرة كالفيزياء النووية وعلوم الفلك والفضاء والطب والهندسة، ما ادى الى تفريغ الدول النامية والفقيرة من الابتكارات والاختراعات وجعلها معتمدة على الدول الاخرى في كافة نواحي الحياة.
المدير التنفيذي في شركة طلال أبو غزالة للملكية الفكرية محمود لطوف، ركز على ان معيار تطور الدول أصبح يقاس من خلال حمايتها للملكية الفكرية “فنجد أن الدول المتقدمة هي التي توفر حماية لأصحاب الحقوق والمبتكرين، حيث تساهم الملكية الفكرية في تعزيز بيئة الابتكار والتنافسية والإبداع وهي عوامل تؤدي إلى النمو والازدهار الاقتصادي”.
ودعا لطوف إلى تشجيع الشباب على الإبداع والابتكار، مشيرا إلى أن حماية حقوق الملكية الفكرية تشجع رواد الأعمال والشركات المتناهية الصغر على الاستثمار فهم يشكلون جزءا كبيرا لا يستهان به من اقتصادات الدول.
واشار الى ان انتشار الوعي في مجال الملكية الفكرية بين فئة الشباب هو استثمار للمستقبل حيث يؤدي ذلك إلى وجود أجيال من المسؤولين الحكوميين والقضاة والباحثين وأصحاب الأعمال على قدر كبير من العلم والدراية في هذا المجال، ومن ثم يستطيعون اتخاذ قرارات من شأنها أن تنهض بشعوبهم اجتماعيا واقتصاديا.
وقال مدير مركز التميز للابتكار وريادة الأعمال وأستاذ المحاسبة المالية في جامعة آل البيت الدكتور محمد الحدب، ان حماية الشباب الرياديين وتوجيه طاقاتهم نحو الإبداع تستدعي تثقيفهم علميا بموضوع الملكية الفكرية وأهميتها لضمان النجاح والتقدم وحماية أفكارهم من السرقة، خاصة أن الأفكار تحتاج فترة زمنية ليست قصيرة لتتحول إلى مشاريع ناجحة تدر مدخولا ماليا على أصحابها.
وأضاف الحدب وهو مساعد رئيس جامعة آل البيت للريادة والابتكار، ان الأردن يشهد توجها كبيرا لدعم الشباب في مجال الريادة والابتكار سيما مع تخصيص وزارة لهذا المجال هي وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، وكذلك من خلال إنشاء العديد من مراكز الريادة والابتكار في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة، لدعم الطلبة وأبناء المجتمع المحلي، وكذلك إنشاء العديد من حاضنات الأعمال التي تستقبل الشباب الرياديين وتوفر لهم كل ما يلزم من أجل الإبداع والريادة والابتكار.
وأوضح أن إيلاء الاهتمام بالملكية الفكرية وإجراءاتها سيكون لها الأثر الكبير على الاقتصاد الوطني ورفع وتيرة النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة وخفض معدلات البطالة ومحاربة الفقر من خلال المشاريع الريادية والابتكارية.
يذكر انه في العام 2000، حددت الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) يوم 26 نيسان يوما عالميا للملكية الفكرية لإذكاء الوعي بأهميتها، ولإرساء توازن سليم بين مصالح المبتكرين ومصالح الجمهور العام.
بترا