جنين تتمدد الى قلب القدس ودعوة الرئيس للحوار لا بد من التقاطها
بقلم: المحامي زياد أبو زياد
كان من المفترض أن ينعقد مجلس الأمن لبحث المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في جنين، فجاءت عملية بيت حنينا قبل ساعات من انعقاد المجلس الذي تصدى لها وتجاهل تماما ً مجزرة جنين التي كان قد قرر الانعقاد بسببها. وجاء بيان المجلس بإجماع أعضائه الخمسة عشر، بما في ذلك دولة الإمارات العربية، ليدين عملية بيت حنينا. ولم تقتصر الإدانة العربية لعملية بيت حنينا على دولة الامارات العربية وإنما جاءت بيانات الإدانة من الخارجية الأردنية ومن مصر، وكذلك من تركيا ومن شبه المؤكد أن تلحق بها دول عربية وإسلامية أخرى وهذا المقال في طريقه الى المطبعة.
ورغم التجاهل الدولي لمجزرة جنين إلا أن أحدا ً لا يملك الحق في الفصل بين ما جرى في جنين وما جرى في القدس فنحن أمام مشهد من القتل المستمر الذي تمارسه الآلة العسكرية الإسرائيلية وردود الفعل الفلسطينية عليها في شبه حلقة مفرغة لن يتم كسرها إلا بإنهاء الاحتلال.
فمقارعة الاحتلال لم تتوقف منذ السنوات الأولى للاحتلال ورغم أعمال القتل والاعتقال وتدمير المنازل إلا أن كل ذلك وعلى مدى عشرات السنين من الاحتلال لم يستطع كسر روح الرفض والمقاومة لدى شعبنا ولم يحقق الأمن والاستقرار للإسرائيليين لأن ذلك لن يتحقق إلا إذا تحقق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني عبر انهاء الاحتلال وتمكين شعبنا من ممارسة حقه في تقرير مصيره بنفسه.
واليوم ومنذ أكثر من عام وإسرائيل تُصعد شن حرب استنزاف مستمرة ضد المقاومة سواء في نابلس أو جنين أو مناطق أخرى من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد قُتل خلال العام الماضي وحده أكثر من مئتي شهيد من بينهم أكثر من ثلاثين شهيدا من جنين وحدها، وقُتل خلال الشهر الحالي حتى كتابة هذا المقال في 28/1 اثنان وثلاثون شهيدا ً من بينهم تسعة عشر شهيدا ً من جنين وما زال “الحبل على الجرار”…
أعمال القتل ضد أبناء شعبنا الفلسطيني لم تتوقف وبالرغم من ذلك فإن العالم المنافق ذو الوجهين لا يقيم وزنا ً للدم الفلسطيني ويهب للدفاع عن العدوان واعتباره دفاعا ً عن النفس ضد الإرهاب! والمحزن والمؤسف في نفس الوقت أن بعض الأشقاء العرب يصطفون دائما ً في المسار الذي ترسمه لهم الإدارة الأمريكية ويسير في نفس التلم مطأطئ الرأس معصوب العينين طوعا ً، وعلى كتفه نير الاستعمار وفي فمه اللجام.
لقد رحب البعض بما في ذلك القيادة الفلسطينية بانتهاء عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب وتولي الرئيس جو بايدن الإدارة من بعده وظنوا أن بايدن سيعيد الوضع الى سابق عهده فيما يتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو على الأقل سيفتتح سفارة/قنصلية في القدس الشرقية خاصة بفلسطين، وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن (سفارة فلسطين)، وإعادة النظر في الإجراءات الأخرى المتعلقة بالاستيطان والأراضي المحتلة والدفع باتجاه استئناف المسيرة السياسية المفضية الى حل الدولتين. فهل حدث ذلك؟ لا.
أمس الأول حاول الأخ سعيد عريقات مندوب جريدة “القدس” في واشنطن توجيه عدة أسئلة الى الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية فدانت باتل لينتزع من فمه مجرد القول بأن جنين أرض محتلة ولكنه ظل يراوغ ويتهرب ورفض أن ينطق كلمة محتلة.
هذا الرفض لم يأت من فراغ بل هو استمرار للتعليمات التي صدرت في عهد الرئيس ترامب والتي اعترفت بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها اليها وأوعزت للخارجية الأمريكية بأن تشطب من قاموسها عبارة “الأراضي المحتلة” واعتبرت المستوطنات شرعية وأقرت بولاية إسرائيل، وبمبدأ ضم الأراضي المحتلة لإسرائيل من خلال الاعتراف بضم هضبة الجولان المحتلة لإسرائيل.
هذه هي السياسة الأمريكية لم تتغير ولم تتراجع عن الخطوات المعادية لشعبنا التي اتخذتها إدارة الرئيس ترمب، بالرغم من الموقف الإيجابي الذي اتخذته القيادة الفلسطينية التي استأنفت اتصالاتها مع إدارة بايدن وفتحت أمامها كل الأبواب على مصراعيها.
قد يقول قائل بأن إدارة الرئيس بايدن استأنفت تقديم المساعدات المالية للسلطة ووعدت بتقديم مساعدات مالية لمستشفيات القدس. ولكن المشكلة ليست مادية بل هي سياسية بالدرجة الأولى والأخيرة. فقد مضى علينا ستة وخمسون عاما ً تحت الاحتلال وأرضنا تتعرض للنهب والسلب بشكل يومي وحرياتنا تنتهك وأرواحنا تُزهق فهل ستنفعنا الملايين من الدولارات إن فقدنا وطننا وأروحنا.
لقد كشفت أحداث السنوات الأخيرة وخاصة العامين الماضيين مذ تولى الرئيس بايدن الحكم أن الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، رغم كل التصريحات المنمقة عن حل الدولتين، غير معنية بإنهاء الاحتلال وانهاء الصراع وأن كل ما يعنيها هو أن نركن الى الصمت والهدوء والرضوخ للإرادة الاستعمارية الاستيطانية لإسرائيل، وأن نكون أداة في يد أجهزتها الأمنية لخدمة أمن الاحتلال والاستيطان من خلال ما يُسمى بالتنسيق الأمني، لقاء بعض الدراهم لكي تتفرغ أمريكا لتثبيت هيمنتها على العالم عبر الحرب الكونية التي تشنها هي وحلفائها بواسطة وكيلها زيلنسكي لإضعاف الدب الروسي واستنزاف قوته ومصادره وتحجيمه واعادته للقفص.
ولقد أثبتت الحرب الأوكرانية بشكل لا يقبل الجدل بأن أمريكا والدول الأوروبية تُقسم العالم الى قسمين: الأبيض الأوروبي وغير الأوروبي (وهو الآسيوي والإفريقي بشكل أساسي)، وأن الغربي هو المتفوق المتميز الذي ينتصر له الغرب، وأن غير الأوروبي لا قيمة لحياته ومعاناته. ومن هذا المنطلق يجب أن نفهم إصرار إسرائيل على انها جزء من الغرب ومن الحضارة والثقافة الغربية وإصرار الغرب على أن يقف الى جانب إسرائيل والتغاضي عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني وتماديها في اقتلاعه من أرضه وإنكار حقه في العيش بحرية وكرامة إنسانية لأنها من الغرب.
ولقد آن الأوان لكل من راهن على الإدارة الأمريكية وتوقع أن يأتي الحل على يدها أن يدرك بأن ذلك لم يكن سوى سراب. وبالرغم من أن قرار القيادة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال جاء متأخرا ً جدا ً إلا أن علينا أن نفهم بأنه اذا استمر هذا التوقف والالتزام به، فإنه ستكون له تداعيات لا يستطيع أحد أن يستخف بها أو يتجاهلها ، وأن هذه التداعيات تستدعي أن تتعامل كافة القوى والفصائل بمنتهى الجدية مع الدعوة التي وجهها الرئيس محمود عباس لإجراء “حوار وطني شامل من أجل تحصين الجبهة الداخلية وتعزيز الموقف السياسي وتوحيده لمواجهة التحديات التي تعصف بقضيتنا وشعبنا” ، وأن تلتقط هذه الدعوة لعلها تكون مدخلا ً لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل وانهاء الانقسام. وآمل في المقابل أن تلتزم القيادة بهذه الدعوة وألا تكون مجرد خطوة تكتيكية اقتضتها ضروريات المرحلة، وأن تتبناها قولا ً وفعلا ً كاستراتيجية وطنية بعيدة المدى. لأن ذلك فقط هو الذي سيضعنا على الطريق الى انهاء الاحتلال.