أقلام حرة

إياكم والفِيَلَة..

محمود الدباس

كان الإمام مالك له زاويته في المسجد النبوي يجلس فيها ليروي ويعلم تلاميذه أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.. ويتحولق الطلاب من حوله ليستمعوا ويدونوا ما يحدثهم به..
وفي يوم من الايام بينما هم على هذه الشاكلة.. نادى المنادي أن جاء الى المدينة فيل عظيم.. ولم يرى أهل المدينة فيلا قبل ذلك الزمان..
فما كان من الطلبة الا ان خرجوا مسرعين ليشاهدوا هذا الفيل.. وتركوا الامام مالك.. إلَّا طالب واحد.. وهو يحيى بن يحيى الليثي..

️فقال له الإمام.. لماذا لم تخرج معهم؟!.. أم انك رأيت الفيل من قبل؟!..
️رد عليه يحيى.. ما اتيت الى المدينة الا لرؤية الامام مالك.. لا لأرى الفيل..

هذه الحكاية البسيطة تجعلنا نعتبر ونتدبر ان طالبا واحدا من بين جميع الطلاب هو الذي حدد هدفه بوضوح وتركيز.. وعَلِم لماذا جاء المدينة.. فلم يشتت تركيزه.. ولم يغير هدفه.. ولم يضيع طاقته في امر غير الذي يوصله الى هدفه.. فاصبح اماما يروي عن الامام مالك.. واصبحت روايته من اشهر روايات الموطأ.. ولم يذكر التاريخ غيره من زملائه الذبن ذهبوا لمشاهدة الفيل..

كم نرى في حياتنا اليوم.. اناس يتركون اهدافهم الرئيسة ويركضون خلف مشاهدة الفيلة؟!..
فالصنايعيّ الذي يبدأ عملا يحتاج لايام معدودة في مكان.. تجده يترك عمله ويعود بين الفينة والاخرى لكي يقوم بعمل في مكان آخر.. فلا يتمم الاول في وقته.. ولا ينجز الاخر باتقان..

وليس الاعلام والفن بافضل حال.. فنجد من يكون ناجحا ويشق طريقه بوضوح في ميدان من ميادين الاعلام والفن.. فتقع عينه على مجال آخر ظانا انه سيحقق الشهرة بوقت اسرع وبطريق اقصر.. فتجده يحقق الفشل الذريع..

وحتى في الاستثمار والتجارة.. فكم من تاجر بدأت ملامح الثبات والاستقرار في تجارته.. فلا تفتأ في ان تراه قد غير نوع وشكل تجارته مقلدا غيره مِمَن حققوا نجاحات.. فما هي الا فترة وجيزة.. وتجده يغلق الباب الجديد والقديم..

الامثلة كثيرة على من ينطبق عليهم المثل “كثير النط.. قليل الصيد”.. وللاسف لا يعتبرون من تجارب غيرهم.. فلا بد وان يجربوا بأنفسهم.. ويدفعوا من جيوبهم.. فيخسرون ما قد بنوا.. ويضيعوا الجهد والوقت بقلة تركيزهم وثباتهم على طريق تحقيق هدفهم الذي وضعوه.. ناسين او متناسين ان ثمة امور ادت الى نجاح غيرهم.. ليست موجودة عندهم..

في الختام اقول.. ان هذا كله ناجم عن التشتت وعدم التركيز.. الامر الذي يساهم في ضعف الذاكرة.. فعندما يكون الشخص مشتتاً لا يستطيع تخزين المعلومات والافكار والخطط بشكل جيد في الذاكرة.. ويعاني من القلق والتوتر الزائد.. حيث يشعر بالضغط والتعب الذهني والجسدي بسبب عدم القدرة على التركيز وإتمام المهام بنجاح.. وتجده يعاني من الاستقرار العاطفي.. حيث يشعر بالتوتر والتشتت الدائمين.. فيفتقر إلى الهدوء النفسي والاستقرار العاطفي.. وبالتالي ارتكاب الأخطاء.. حيث يمكن أن يفوِّت على نفسه بعض الأمور الهامة والتفاصيل الحيوية والدقيقة فيما يقوم به من اعمال.. مما يؤدي إلى ارتكاب الأخطاء.. والخطأ في اتخاذ القرارات وإتمام الأعمال بشكل سليم..
وبالتالي يكون الشعور بالاحباط والفشل واليأس بسبب عدم تحقيق اهدافه.. هو الوضع النهائي.. فلا تنتبهوا للفيَلةِ وركزوا فيما انتم فيه..

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!