أقلام حرة

استخدام “الفيتو” في مجلس الأمن..وتحدي سيادة حكم القانون


المحامي زياد أبو زياد

من المصطلحات القانونية المتداولة مصطلح سيادة حكم القانون. وهذا المصطلح يعني أن القول الفصل هو للقانون وأن الجميع سواسية أمام القانون وأن القانون لا يقبل المساومة أو المجاملة أو التهاون في تطبيقه.
وسيادة حكم القانون تقتضي وجود قضاء نزيه وشفاف ووجود ضابطة عدلية وقوة تنفيذية تضمن تنفيذ أحكام القضاء دون محاباة أو مجاملة أو خشية من أحد، إذ كما قال عمر بن الخطاب في رسالته لأبي موسى الأشعري حين ولاه قاضيا ً:” لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له”.
وهذه كلها مبادئ متكاملة أي أن كلا ً منها تكمل الأخرى فلا يكفي وجود قانون بدون قضاء نزيه ولا يكفي وجود قضاء بدون آلية لتنفيذ قراراته. فالمهم ليس مجرد وجود القوانين بل في تطبيقها من قبل الجهات المختصة بما في ذلك القضاء، وفي شمولية تنفيذ قرارات القضاء.
وهناك العديد من الدول وخاصة ما يسمى بالعالم الثالث لديها من القوانين ما يمكن أن تباهي به دول العالم ولكن هذه القوانين معطلة بسبب الفساد المتمثل في سيطرة مراكز القوى والجريمة المنظمة أو المافيا أو ما يعرف ب “البلطجية” على أمور الناس والحيلولة دون تطبيق مبدأ سيادة حكم القانون.
الحرب ضد حماس أم ضد الإسلام
خطرت ببالي هذه الأفكار وأنا أتابع مناقشات مجلس الأمن الدولي حول طلب اصدار قرار بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، والدور الذي لعبته أمريكا لشل عمل المجلس ومنعه من اصدار قرار بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لأنها متواطئة مع إسرائيل وتريد أن تتيح لها مواصلة حربها في غزة بدون ازعاج. فهي ترى في الحرب على غزة استمرارا ً لحربها ضد التنظيمات الإسلامية وخاصة القاعدة وطالبان وداعش في أفغانستان والعراق وسوريا والتي في خلفيتها هي حرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين كما قال الرئيس جورج بوش في حينة وتراجع بحجة أنها كانت زلة لسان، ولأن إسرائيل نجحت في ترويج فكرة أن حماس هي نسخة مجددة من داعش، لتأليب الرأي العام العالمي ضد حماس واقناعه بقبول ما تعمله إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إلا أن هذه الادعاءات لم تنطل على العالم طويلا ً فقد بدأ الرأي العام العالمي يتحول وبشكل قوي ضد إسرائيل ولصالح الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع المجازر ولمحاولات الاقتلاع والتهجير من وطنه استمرارا ً لنكبة عام 1948.
لقد ولدت الأمم المتحدة في أعقاب الويلات التي شهدها العالم نتيجة للحرب العالمية الثانية وبعد سلسلة من اللقاءات والبيانات والمداولات التي أدت في نهاية المطاف الى توقيع ميثاق الأمم المتحدة في 24/10/1945 وكان من أهم مكوناتها مجلس الأمن الدولي الذي أنيطت به مهمة حفظ الأمن والسلم الدوليين وفقا ً لأحكام المادة (24) من ميثاق الأمم المتحدة، ووضعت الآلية والصلاحيات التي تتيح للمجلس ممارسة هذه المهمة.
ولكن من عيوب ميثاق الأمم المتحدة هو إعطاء حق النقض “الفيتو” للدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن. وقد أثبتت التجربة أن تعسف بعض هذه الدول في ممارستها لحق الفيتو أدت في بعض الأحيان الى تعطيل اتخاذ قرارات تتعلق بحفظ الأمن والسلم الدوليين، لأن هذه الدول استخدمت حق الفيتو من أجل مصالح وعلاقات واعتبارات خاصة بها وبحلفائها دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة حفظ الأمن والسلم الدوليين. وهذا ما يحدث بشكل دائم من قبل الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بإسرائيل من قرارات في مجلس الأمن مما أتاح ويتيح لإسرائيل الاستمرار في القيام بأعمال تعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر ويزعزع أركان الاستقرار الدولي. وهذا ما يؤكد أيضا ً فشل النظام العالمي الجديد الذي أقيم في أعقاب الحرب العالمية الثانية والحاجة لنظام عالمي جديد على أسس متوازنة تتلافى عيوب وأخطاء النظام الحالي.
حق الفيتو والبلطجة الدولية
فقد أحبطت أمريكا وللمرة الرابعة في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن قبل يومين اتخاذ قرار يدعو لوقف اطلاق النار في غزة، وظلت تختزل القرار الى أن صدر بصيغته الهزيلة التي صدر بها، والتي تدعو الى ادخال المساعدات الإنسانية الصحية والغذائية للقطاع بدون وقف اطلاق النار، متجاهلا ً أن من غير الممكن عمليا ً ادخال هذه المساعدات طالما أنه لم يتم وقف اطلاق النار وطالما أن أعمال القصف والقتل مستمرة وتهدد كل من يتحرك على الأرض.
ميثاق الأمم المتحدة واللوائح والأنظمة الناظمة لعمل أجهزتها المختلفة بما في ذلك مجلس الأمن كفيلة بتحقيق الهدف الذي أقيمت من أجله الأمم المتحدة، ولكن عدم الانصياع للميثاق ولهذه اللوائح والأنظمة جعل العالم أشبه بدول العالم الثالث التي تتباهى بأن لديها القوانين وتتشدق بسيادة حكم القانون ولكنها في واقع الأمر لا تحترم مبدأ سيادة حكم القانون بل تخضع للمافيات والبلطجية الذين جعلوا من القوانين مجرد حبر على ورق.
والدور الذي تقوم به الولايات المتحدة في تعطيل الشرعية الدولية والحيلولة دون ممارسة مجلس الأمن لمهامه ودون اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل وقف هذه الحرب المجنونة، التي تدور ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأبرياء العزل في قطاع غزة، من أن تتطور الى حرب اقليمية أو الى كارثة انسانية تنعكس آثارها على كل شعوب المنطقة، هي شكل من أشكال المافيا أو البلطجة الدولية التي تتحدى سيادة حكم القانون على المستوى الدولي.
الوضع في غزة هو جريمة مستمرة ضد الإنسانية وكل من يعطل اتخاذ قرار فوري بوقفها أو لا يعمل من أجل اتخاذ قرار بالوقف الفوري لهذه الجريمة سواء بالسر والتواطؤ أو بالعلانية إنما هو شريك في هذه الجريمة، وسيأتي يوم سيدفع فيه ثمن مشاركته بها. لأن استمرار العمليات الحربية ضد أبناء شعبنا في القطاع وقتل وجرح عشرات الآلاف وتشريد الملايين وتجويعهم واذلالهم وحرمانهم من الشعور بالأمن ومن الماء والدواء والغذاء قد فاق كل الحدود وأبشع أشكال الجرائم في التاريخ الإنساني الحديث.
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page