أقلام حرة

لا ادري هل خسرته.. أم خسرني؟!..

محمود الدباس – ابو الليث..

قضية شخصية وددت من باب انني اكتب في كل القضايا سردها.. ولا اعلم إن كانت ستفيد من يقرأها.. ويستخلص منها عٍبرة.. أم ستكون حالة خاصة بي؟!..

بينما كنت جالسا وحدي وآخذ نفس أرجيلتي التي اصبحت من اقرب الاصدقاء لي.. واتسامر معها وافضفض لها.. وحتى انها اصبحت تفتح قريحتي على الكتابة.. وشعرت انها تغضب مني لتركي اياها في المنتصف لاكتب ما يخطر ببالي.. آخذا بنصيحة احد الاصدقاء المقربين بموضوع “صيد الخاطر” فلا افوت شيئا يخطر ببالي دون كتابته مباشرة..

فتذكرت ما قاله لي احد الاصدقاء يوما عن والده الذي توفاه الله قبل اعوام.. والذي كان بطبعه اجتماعيا.. فاصبح يبتعد عن أصدقائه واحدا تلو الآخر.. وبالتدريج.. حتى اصبح جليس البيت.. وقال صديقي حين شعرنا بذلك وفاتحناه بالامر.. علمنا انه قد اصيب بذلك المرض.. وان الطبيب اخبره بأن المرض قد تمكن منه.. ولأنه لا يريد اخبار احد بمرضه ودنو أجله.. ولخوفه على اصدقائه من فقده بشكل مفاجئ..فقد قرر الابتعاد عنهم.. ليكون خبر وفاته خفيفا عليهم..

هذه الحادثة اثارت في نفسي ما حدث لي مع أعز صديق لي..
فقد تعرفت عليه بمحض الصدفة في أحد اللقاءات العامة.. وحين عرفني قال لي بأنه يتابع كتاباتي ويعرفها من بعض الاشارات التي كنت تضعها في اول وآخر منشوراتي.. فلم يخفي سعادته بالتعرف عليّ وجاهيا..

كان صديقي يعمل اعمالا حرة وقريبة من العلاقات العامة.. وكان له زبائن يتعامل معهم في تجارته.. ولأنني والحمد لله مارست الكثير من النشاطات مع مختلف الاجناس والاطياف.. ولانني تعرضت للكثير من الشِراك وأنا متوسم الخير فيهم.. كنت اقدم له بعض النصائح الاستباقية حتى لا يقع في شراك اي منهم.. مع انه كان كثير التعامل مع بعض زبائنه ويثق فيهم.. إلا انه اكتشف بعضهم على حقيقته جراء بعض ملاحظاتي..

وبالمقابل فقد كان كثير التوجيه لي في كتاباتي ومنشوراتي.. وذلك من واقع نظرته وخبرته مع الناس..
وليس سرا ابوح به.. فقد ادخلني في حياته الخاصة.. كما فعلت انا ايضا.. وكم من ملاحظات قيمة اسداها لي في التعامل مع افراد اسرتي.. وكنت آخذها بكل جد..

وكما يقال.. فان العلاقات على اختلافها لا تقاس بمدتها.. وانما بعمقها وشفافيتها وصدقها.. فلم يكد يمر يوم والا تهاتفنا وتناقشنا في معظم القضايا السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية.. ولم يكد يمر يوم او اثنان إلا والتقينا على وجبة طعام او فنجان قهوة.. او حتى كاسة قهوة عند اي كشك للقهوة على قارعة الطريق.. الامر الذي لاحظه افراد عائلتي وعائلته من خلال تغير نفسيتنا الاثنين وانعكاسها على العائلتين.. وحين كنت لا التقيه او اتواصل معه لفترة بسيطة.. لانشغاله في عمله او لسفره المتكرر.. كان افراد عائلتي يقولون لي شكلك متزاعل مع صديقك..

منذ فترة ليست بالقصيرة.. بدأ صديقي يختلف شيئا فشيئا.. ويبتعد شيئا فشيئا.. علما انه كان يعطي الاولوية للتواصل واللقاء على اعماله.. والتي كان يقوم ببعضها على الهاتف وهو يتناول الطعام او يأخذ الارجيلة بمعيتي..

حتى انني لاحظت انه اصبح يقوم بكل شيء يعلم انه لا يروق لي او نبهته عليه.. ويتعمد بذكره امامي او عبر الهاتف.. وكأن لسان حاله يقول بانه يريدني ان اكرهه عنوة.. ويريدني ان لا ارغب بصداقته.. وذلك لانني كنت انبهه على تلك التصرفات والافعال.. وبالطبع لانني صديق صدوق وقريب جدا ..وصريح معه لابعد الحدود.. فسرعان ما تبدو عليه علامات الغضب والاستياء.. ومن ثم الانسحاب من الجلسة حتى لو معنا اصدقاء او لوحدنا.. وكذلك اثناء الاتصالات التي كان يتحجج بقطعها بحجج واهية اذا ما انتقدت اي تصرف له حتى وان كان واضحَ الخطأ. واصبحت مقالاتي لا تروق له اكانت سياسية او اجتماعية.. على الرغم انها اصبحت اقوى واعمق مما كانت عليه قبل ان يعرفني.. وكان معجب بها كثيرا..

بقي الحال على ما هو عليه في الابتعاد.. وعلمت منه بغلطة لسان انه يراجع طبيبا لامر ما.. ولم يفصح عن السبب.. حتى جاء ذلك اليوم الذي الغى فيه رقم هاتفه وكل وسائل التواصل الاجتماعية واختفى..
ولأنني احترم قرار الاخر.. فلم أسْعَ لان ابحث عنه من خلال اي طريقة.. وكذلك لان الاصدقاء المشتركين لا يعلمون عنه الكثير.. فكانت هي لحظة الفراق..

هذه التجربة التي سعدت فيها كثيرا.. وكنت الاقرب اليه.. وكان الاقرب لي.. إلا انها انقلبت الى التجربة الاسوأ في نهايتها.. مع ان كل منا على هذه البسيطة لا بد وان يفارق الاخر يوم ان تذهب الروح الى بارئها.. الا ان هكذا فراق يكون مؤلما.. لانك لا تعلم عن صديقك اهو حي يرزق ام انه ذهب الى جوار ربه.. ام انه مريض ويخفي آلامه.. ام انه لا يريد من احد حتى اقربهم ان يقول له انت مخطئ.. وأن كبرياءه وقناعاته واعتزازه بتفكيره يجعلانه لا يتقبل حتى النقد الذي يُقَوِّم افعاله ويجعلها اقرب للكمال..

في الختام اقول.. كنا نتعلم ممن هم اكبر منا.. ان لا خير فيك إن لم تقل لصديقك القريب ما هو الصحيح حتى وان كان مراً.. او ليس على هواه.. من باب “صديقك هو الذي يمكن ان يجعلك تبكي.. من أجل ان لا يجعل الناس تضحك عليك.. او يجعلوك حديثهم في جلساتهم الخاصة”..
ويبدو ان هذه الأيام.. إن اردت ان تبقى قريبا من اي شخص.. عليك ان تكون سطحيا معه.. ولا تنتقده.. ولا تقول له الا احسنت.. او عليك ان تلتزم الصمت..

والسؤال الذي اطرحه على نفسي.. هل خسرته بصراحتي لصدق صداقتي.. ام هو الذي خسرني وسيكتشف ذلك عاجلا أم آجلا.. إن هو مازال على قيد الحياة؟!..

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page