أقلام حرة

ما حدث معي يوم أمس.. يؤكد بأن حارتنا صغيرة..

محمود الدباس

في الماضي كانت العلاقات شبه محصورة على افراد الحي اواحد او الحي المجاور.. وكانت الامور سرعان ما تتكشق.. لان الاماكن التي يتحرك فيها الناس قليلة ومتقاربة.. حتى وان اراد احد ان بستسر ويستغيب احد.. فسرعان ما تصل القصة بايديها وارجلها لمن تمت استغابته.. واذا ما اراد احد ان يلبس ثوبا غير ثوبه.. فسرعان ما ينكشف امره.. فالحارة ضيقة وصغيرة.. والكل يعرف الكل..

في ايامنا هذه.. وبانتشار التصوير في كل مكان عبر الهواتف قبل الكاميرات.. واستخدام البث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.. بمناسبة او بغير مناسبة.. اتسعت مساحة حارتنا فقط.. وبقي نفس المفهوم.. لا بل اصبح اقوى وادق.. وبالتوثيق..

موضوع يُعنى بكل مناحي حياتنا.. وكنت اود طرقه منذ فترة.. ونستطيع اسقاطه على كثير من الامور.. ولكن احببت كعادتي ان اقدم له بقصة.. لاختصر الحديث.. وحين حصلت القصة معي شخصيا.. كتبت..

قبل ما يقرب الشهر كنت اتصفح الفيسبوك.. وظهرت لي صفحة لصديق مقرب.. وكنت انوي التعليق على منشوره.. فلفت انتباهي تعليق لاحدى الفتيات.. وكان تعليقا فيه اطراء.. وطبعي الذي يلازمني في نخزة (وخزة) قلبي التي لا تخونني.. جعلتني اشك بامر ما..
وحين قابلته.. سألته السؤال الشبابي المعروف.. شو بينك وبين هاي الصبية؟!..
فقال لي هي زميلة.. وعلاقتي بها ممتازة جدا (اي في العمل).. ولا شيء غير ذلك..

وحين قلت له بان التعليق يبدو بانه مختلف نوعا ما.. وخصوصا ان من يعلق لك دوما هم الذكور.. فاحتد وازبد وارعد.. وقال بالحرف “الله يلعن فلانة” حتى يشعرني بانها لا تعني له شيئا..

يوم امس وانا اجلس مع احد اصدقائي.. والذي تغنى بمؤتمر قد حضره قبل عدة ايام في احد الفنادق الراقية.. لبعض الشركات.. وفتح هاتفه ليريني بعض الصور ومقاطع الفيديو التي صورها..

فجلب انتباهي -وهو يتمشى بين الحضور- ما سمعته في لقطة لصديقي صاحب صفحة الفيسبوك وهو يقف مع تلك الفتاة التي تحدثنا عنها وعلقت له باطراء.. فقلت لصديقي المصور.. ارجو ان تعيد اللقطة لذلك الرجل..
فحين اعاد اللقطة وكانت تلك الفتاة تقول “انا بحبك.. ولكن في العمل يجب ان يكون التعامل باحترام.. بعيدا عن العواطف”..

فقلت له.. ماذا تفهم من هذه الجملة؟!..
فقال.. هذه الجملة لها معنيان فقط من وجهة نظري.. قد تكون تشرح له عن كيفية الفصل بين العلاقات الخاصة والعمل.. ولكن هذا ليس من الادب ولا من عاداتنا وتقاليدنا.. خصوصا وقد يسمعها الناس.. وهذا ما حصل فعلا معي.. فلو كانت تريد الشرح وايصال المعلومة بشكل محترم لا لبس فيه.. فعليها ان تقول اذا كان اثنان يحبان بعضهما.. ويعملان معا.. فعليهما الفصل بين العلاقة الخاصة والعمل..

واردف قائلا.. فان كانا زملاء فقط.. وهكذا حوار وكلمات يتداولانها امام الناس.. فما هو مستوى الحديث الذي يتحدثانه على الهاتف.. او ان كانا في مكتب لوحدهما.. مثلا؟!..
اما المعنى الثاني.. فانهما فعلا يحبان بعضهما.. وقالت هذه الجملة لكي تطلب منه ان يفصل بين علاقتهما خارج وداخل العمل.. ولا تريد ان يتحدث عنهما احد.. ولسوء حظهما انني كنت اصور بجانبهما في تلك اللحظة..

من هذه القصة التي حصلت بالفعل معي منذ شهر تقريبا وانتهى فصلها الاخير يوم امس.. اقول بان كثيرا من الامور تحدث.. ويحاول اصحابها اخفائها.. الا ان حارتنا صغيرة او ضيقة مهما اتسعت مساحتها.. والاخبار تصل..

وهذه القصة تقودنا الى كثير من الامور السياسية او الادارية والاقتصادية.. فتجد الكثير مما يتم تقريره في الغرف المغلقة.. ويتم كتابته بالسرية المطلقة.. ولكن لاننا نتعامل مع بعضنا في كثير من الامور بمبدأ القرابة هي الاساس والمقدمة على طبيعة العمل.. فتجد الاسرار والكتب الموسومة بالسرية او المكتومة يتم تداولها.. فما بالك بالاحاديث الشفوية؟!..

وتجد مسؤولا ينكر اي علاقة له برجل اعمال مشبوه.. ولا يحتد اذا ما ذكرت اسمه امامه فحسب.. بل وقد ينعته باسوأ النعوتات.. ولا يعلم بانه قد يتم تصويره بالصدفة وهو يدخل الى بيت رجل الاعمال ذاك.. او يكون برفقته داخل او خارج البلد.. اثناء بث حي لاحدهم من ذلك المكان على احدى وسائل التواصل الاجتماعي..

لذلك اقول حتى للمسؤول قبل المواطن.. انه اذا سألك احدهم عن امر ما.. او عن شخص ما.. فاعلم انه كالزوجة التي تسأل زوجها بشكل غير اعتيادي.. أين كنت قبل يومين؟!..
فكن على يقين بانها تعلم اين كان.. ومع من كان.. ومن دفع الحساب.. ولكنها تريد معرفة صدق زوجها.. وتسمعها منه شخصيا.. او “حتى تحط عند عينه”..

زر الذهاب إلى الأعلى