أخبار الاردنواحة الثقافة والمعرفة

ملتقى النخبة يناقش (الأخلاق والمبادئ.. صمام أمان.. وتجاوزها هدم للأوطان والإنسان)

في حوار الثلاثاء لملتقى النخبة-elite.. كان عنوانه..

((الأخلاق والمبادئ.. صمام أمان.. وتجاوزها هدم للأوطان والإنسان))..

عندما نعلم ان الأخلاق تشير إلى مجموعة من القيم والمبادئ التي توجه سلوك الأفراد.. وتحكم تفاعلاتهم مع الآخرين والمجتمع بشكل عام..
وتشمل الأخلاق القواعد والقيم الأخلاقية التي يعتمدها الفرد أو المجتمع لتحديد ما هو صحيح وما هو خاطئ.. لتوجيه السلوك الصالح والمسؤول.. وفي الغالب تعتمد على مفاهيم مثل العدالة.. والصدق.. والنزاهة.. والتسامح.. وحقوق الإنسان.. والمسؤولية الاجتماعية..

ولانها مفاهيم راسخة ومبنية على الفضائل والمبادئ التي تم تبنيها بناءا على اعتقاد تجذر في النفوس.. فهي مقياس للفرد والجماعة.. يمكن القياس عليه لمدى تصالح الفرد والجماعة مع دواخلهم..

من خلال ما نشهده من تغييرات على مستوى الافراد والمجتمعات في تطبيقهم للاخلاق والمبادئ.. وجد ملتقى النخبة-elite نفسه امام امر يحتاج الى تسليط الضوء عليه ومناقشته من خلال هذه التساؤلات..

  • هل من الطبع السوي والقويم ان يقوم الفرد او الجماعة بتعطيل خُلق/مبدأ.. او مجموعة اخلاق/ مبادئ لتحقيق امر ما يتعارض معها؟!..
  • هل بغض النظر عن بعض المبادئ والأخلاق لظرف او موقف يكون فيه نجاح مؤقت.. هو الطريق الذي يقبله الله والمجتمع من حولنا؟!..
  • ما هي الوسائل التي يمكن اتباعها للتأسيس لمجتمع متمسك بالأخلاق والمبادئ السوية؟!..
  • ما هو دور اصحاب الفكر والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني لترسيخ مفاهيم الاخلاق والمبادئ لدى الجميع؟!..
  • ماذا نقول لمن يطبق الاخلاق والمبادئ على اهوائه وظروفه؟!..
  • وكيف يجب ان نتعامل معه؟!..
  • وفي الختام.. ما هو حجم الضرر على الفرد والمجتمع جراء عدم اتباع الاخلاق والقيم السليمة.. اكان لموقف او بشكل عام؟!..

الدكتور موسى اصبيح قال في مداخلته..

قضية الأخلاق غاية في الاهمية؛ سيما اذا وجدنا الاجيال الجديد التي تلهث وراء الثروة التي تتحقق بلا جهد يذكر ، وعلى حساب الاخلاق، طبعا هم يرون نجوما في الفن والرياضة ووسائل التواصل الاجتماعي ، صاروا من اصحاب الملايين بلا جهد يذكر.

وفي بناء الدول لدينا هنا انموذجان في توجيه السلوك الفردي:
الانموذج الياباني المرتكز اساسا على الاخلاق،
والانموذج الصيني المرتكز على العقاب ،
الأول مستقر متوازن.
اما الثاني فكانه على فوهة بركان..

أما نحن فلسنا بحاجة إلى نماذج لدينا تراثنا العربي والإسلامي الثري بالقيم النبيلة، الذي يعلم العالم الاخلاق.
امتا الغريب
فلا نجد لهذا الأمر بندا في استراتيجيات التعليم، ولا في بيانات الاحزاب، ولا حتى المؤسسات..
وهذا الأمر الأخطر
والله اعلم

فيما قال النائب السابق د. علي خلف الحجاحجة..

الاخلاق ضرورة فردية وحاجة مجتمعية وحاجة إنسانية، فلولاها لأصبح الإنسان مصدرا متحركا للشر، ولأن الأخلاق دعامة أساسية وميزة للإنسان القويم جاء الإسلام ليعزز الأخلاق القائمة قبلة فقام بتهذيبها ولم ينكر الكثير منها (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وحسن الخلق مألوف من أقرانه، قريب منهم، وسيء الخلق مذموم يرفضه المجتمع عفوا.
وما القوانين السماوية التي جاءت بها مختلف الشرائع الإ توطيدا قانونيا لمنظومة الأخلاق، وهكذا القوانين الوضعية اليوم هي بمثابة منظومة أخلاقية متكاملة تنظم الحياة الاجتماعية بكافة تعاملاتها، ومن هنا تحزم الدول وتشدد على تطبيقها لأن في ذلك تمتينا للروابط الداخلية للدول وتماسكها، من خلال تماسك أفرادها فيما بينهم، وتماسك مؤسساتها، وتماسك مجموعة من الدول فيما بينها، وعلى النقيض من ذلك فإن التجاوز على منظومة القيم والاخلاق يقوض أركان المجتمعات وكذلك الدول.
وهذا يقودنا إلى فهم اوسع للأخلاق، ويلفت انتباه الكثيرين إلى أن الالتزام الأخلاقي ليس ترفا بل ضرورة وواجبا.

اما المهندس خالد خليفات.. فقد قال..

الأخلاق والمبادئ هي عماد الشعوب والامم التي تبحث عن الرقي والتقدم، ولقد خاطب رب العزة رسولة الكريم بقوله ” وإنك لعلى خلق عظيم ” ،،، والرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول ” إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق ” ، وصدق المبادئ تجلت في أوضح صورها حين قال رسولنا الكريم ” والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ” في إشارة قوية وواضحة أن المبادىء لا يمكن تجزئتها وفق الظروف والمصالح.
حين نتحدث عن العلاقات داخل المجتمعات، لا يمكن القفز فوق الأخلاق والمبادىء وما ينبثق عنها من الصدق والامانه والعدل وحسن التعامل وصحوة الضمير، ولعلنا نرى كيف أن العديد من المجتمعات الغربية غير المسلمه حين تمسكت بهذه الصفات قد ارتقت وتطورت وتقدمت وتمددت، في حين أن المجتمعات المسلمه وحين تخلت عن هذه القيم قد تراجعت في ذيل قائمة الدول المتقدمه. فالتدين الذي يخلو من هذه الصفات الحميده ويكتفي بالشعائر ليس من الدين في شيء.
وأخيرا، فإن الأخلاق والمبادىء هي مرآة الشعوب، وهي بوصلتها وعنوانها، وبغير ذلك فانها تنكفىء على نفسها وتتآكل وتهترىء وتدمر ذاتها قبل أن يأتيها الدمار من الخارج.

اللواء الركن المتقاعد د. هلال الخوالدة.. قال..

رغم ما تتمتع به مجتمعاتنا من قيم ومبادئ واخلاق راسخة جعلت منها أمة عظيمة قادت الامم مراحل طويلة في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والعلوم المختلفة ولا تزال سببا في الكثير من التقدم والتطور الحاصل في معظم العلوم والاخلاق والمبادئ المتأصلة والمتوارثه. الا اننا وبسبب تطور وسائل التواصل واختلال سيادة الدول وانفتاح الحدود امام العولمة اصبحت وسائل التنشئة الاجتماعية متعددة ومتاحة لجميع المجتمعات سلبياتها وايجابياتها لذلك اصبح من الضروري التركيز بشكل مستمر على المحافظه على الاجيال من الغزو الثقافي وتفعيل دور الاسرة والمدرسة والجامعة والمؤسسات الدينية … الخ. للمحافظة على الموروث الاستراتيجي الاخلاق والقيم الحميدة التي ورثناها. تحياتي وشكرا على طرح هذا العنوان للنقاش.

الاستاذ الدكتور ياسر الشمالي.. عميد كلية الشريعة الاسبق في الجامعة الأردنية.. قال..

الأخلاق أساس الحياة، وفي مقدمتها: الأمانة، وأعظم الأمانات بعد التوحيد والفرائض: مصالح العباد، فكيف ينام من يُفرط بمصالح العباد
فقد أُثنى الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: (وإنك لعلى خُلق عظيم) وقال له: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
فالأخلاق هي المعيار وهي المقياس، ولما وصف الله المؤمنين وصفهم بالأخلاق والصفات الحميدة، لأن الخلق يعبر عن الإيمان، ولا يُتصور إيمان بلا أخلاق فمن ذلك قوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما…)
وقد حظيت الأمانة بالصفة الأبرز في أخلاق المؤمنين، لما لها من أُثر في سلامة المجتمع، فبين القرآن خطورتها برفض السموات والجبال حملها وتصدى لها الإنسان ظلما لنفسه ولغيره، وجهلا بعواقب تحملها ( وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)، وهذه ابنة شيخ مدين، عندما رأت موسى عليه السلام وما عليه من الورع والأمانة توسمت فيه خيرا، فنصحت أباها باستعماله فقالت: ( يا أبت استأجره ، إن خير من استأجرت القوي الأمين) فلاحظت القوة والأمانة
وللأمانة صور ومظاهر عديدة لا تنحصر في أمانة الودائع الواردة في قوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)، والمال العام وديعة في يد المسؤول، فإن أحسن التصرف فيه وإلا كُـتب عند الله خائنا، بل تتغلغل الأمانة في كل مناحي الحياة وكل التكاليف، فكل تكليف هو أمانة، وهذا ما عبّرت عنه الأحاديث النبوية، فمن ذلك:
-الخازن الأمين.. «الخازنُ المسلمُ الأمينُ الذي ينفِّذُ ما أُمِرَ بهِ فيُعطِيه كامًلا مَوْفرًا، طيِّبَةً بهِ نفسُه فيَدْفعُه إِلى الذي أُمِرَ لَه بهِ أحدُ المتصَدِّقَينِ»
-التاجر الأمين (لتَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ.)
-الموظف الأمين (قال أبو ذر رضي الله عنه: يا رسولَ اللهِ ألا تستعمِلُني؟ قال: فضرب بيدِه على مَنكِبي ثمَّ قال: يا أبا ذرٍّ إنَّك ضعيفٌ، وإنَّها أمانةٌ، وإنَّها يومَ القيامةِ خِزيٌ وندامةٌ إلَّا من أخذها بحقِّها وأدَّى الَّذي عليه فيها)
-الجليس الأمين : الذي يحفظ السر ولا يخون العهد، فتعجب كثيرا عندما تكون في مجلس وتتحدث بحديث خاص، وتفاجأ بأن حديثك قد انتشر، ووصل لمن لا ترغب، مع أن ( المجالس بالأمانة) وجاء في الحديث: (إذا حدث الرجلُ بالحديث ثم التفت فهي أمانة”
-الزوج الأمين، الذي يُحسن رعاية أسرته وولده ويغرس فيهم الأخلاق، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ويحفظ أسرار بيته: (إنَّ من أعظمِ الأمانةِ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ الرَّجلَ يُفضي إلى امرأتِه وتُفضي إليهِ ثمَّ ينشُرُ سرَّها)
ولما كانت الأمانة متغلغلة في كل مناحي الحياة، وكل التكاليف، كان وجودها أمانا للمجتمع، وكان فقدها مؤذن بالفساد والإنهيار، بل بقرب الساعة، فقد جاء في حديث صحيح : (..إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ. قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ.)
فظهر من كل ذلك أن للأمانة مكانها اللائق في دستور الأخلاق، وهذا الذي جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخاف من التقصير، وقال: “ليتنا ننجو، لا لنا ولا علينا”، مع أنه الذي قيل له: حكمت فعدلت فأمنت فنمت
فكيف ينام من خان الأمانة ؟!!

فيما قال المهندس نهاد المصري..

منذ الخليقه والامم تحكمها وتقاس حضارتها بالأخلاق فلكل عصر من العصور له قيمه ومبادئه واخلاقه تحكم المجتمعات ضمن هذا السياق.

تعتبر الأخلاق العنصر الاساسي في تربية الفرد وإنشاء أسر سليمه، ومجتمعات راقيه، لذالك تلعب الأخلاق دورا اساسيا في تهذيب المجتمعات.

الأخلاق قيم راسخه في النفس تنم عنها الأفعال، وتنقسم إلى سيء الخلق وحسن الخلق حسب الفعل الصادر، وتأتي اهمية الأخلاق كقاعده اساسيه للمجتمع حيث تبنى عليها جميع القوانين والأحكام الذي يجعلها اساس صلاح المجتمع والدرع الواقي من المسببات المؤديه لانهياره.

تلعب الأخلاق في تنمية الشعور الجماعي بالآخرين وتنظيم العلاقات بالآخرين ،وتلعب الأخلاق في تنمية الإداره.

لكن في ظل التطور التكنولوجيي والذكاء الاصطناعي هل هناك تطور أخلاقي؟.

حسب مقولة ماركس في كتابه راس المال(اي تطور اقتصادي يصحبه تطور في الأخلاق والقوانين ).

لكن مانشهده من تطور سريع للتكنولوجيا خلق عدم توازن بين الأخلاق والتكنولوجيا وخلق اشكاليات مدمره في الحاضر والمستقبل.

مع هذا التطور التكنولوجيي في السلاح في البلدان المتقدمه فيما يبدو أن المنطق الأخلاقي غير سائد في العالم في ظل تنامي سياسات المصلحه الذاتية .

كان الفلاسفه منذ سقراط وافلاطون يتحدثون عن اهمية الأخلاق لتأسيس حياه فاضله وسعيده لجميع البشر، لذا كانت النزعه الانسانيه والاخلاقيه حاضره بشده في كتابات الفلاسفه في الماضي والحاضر مما شكل الحضاره الحديثه التي تهتم بثقافة الانسان وحقوقه في العدل والحريه والمساواة والإخاء.

وفكرة الامم المتحده انطلقت من هذا الفكر الأخلاقي ألذي في أيامنا هذه ابتعدت كثير عن الإلتزام في مبادئها.

وفي النهايه اختم بقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).

ويقول الشاعر احمد شوقي(إنما الامم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا).
والله من وراء القصد

السيد ابراهيم ابو حويله.. كان رأيه في الموضوع بشكل تفصيلي..

الأخلاق …

الأخلاق أثرها يعم الجميع حتى من هو غير ملتزم بها ، وفقدها يضر الجميع حتى من هو ملتزم بها …

ووقفت طويلا عند غياب الأخلاق عن الشارع ، ولا أدري ما الذي اوصلنا إلى هذه النقطة …

فمن تلك اللحظة التي أصبح الغش فيها مذهبا والخداع طريقة وخسر الشارع أخلاق الإسلام في التجارة الصادقة والمعاملة بالحسنى والسماحة في البيع والشراء ، وأصبحنا في سوق البائع فيها والشاري والوسيط كل يكذب على الآخر، خسرنا نحن أولا قبل أن يخسر الآخر أو ينخدع…

هذه السوق القائمة على هذا النوع من الأخلاق لا تمت للإنسانية بصلة فضلا عن أن تصدر عن دين ..

ولا بد من إعادة الأخلاق إلى الشارع لأن الكل خاسر ، من ظن أنه خدع إتضح أن الآخر قد تستر بكل أنواع الرذائل الخلقية في المعاملة ، فهي معركة لا فائز فيها …

والمجتمع يدفع ضريبة غياب الأخلاق عنه فهو خادع ومخدوع وغاش ومغشوش…

الأخلاق للإنسان هي الحماية له والمجتمع…

قد تجد الانحراف في كل مكان في العالم عن المنظومة الاخلاقية، ولكن هناك مجتمعات تحرص على تعزيز المناعة المجتمعية من خلال التربية والأسرة والمدرسة والمجتمع…

وتحمي كل ذلك بمنظومة قوانين رادعة ، تجعل من تسول له نفسه المساس بالأمن المجتمعي يحسب الف حساب…

بدون إخلاق لا يصلح الفرد لبناء المجتمع، ولا يصلح أن يكون لبنة في المجتمع، نحن نحتاج إلى الأخلاق في التعامل من أجل الجميع ولمصلحة الجميع…

عندما تسوء الأخلاق في المجتمع يتراجع كل شيء ، وإذا لم يتم معالجة الموضوع من ناحية توعية وتعزيز القيم الدينية، والشدة في القانون والتي يجب أن تصبح رادعة لهذه الفئة التي لم يصلح معها توجيه أخلاقي ولا ديني …

ونحتاج إلى الصدق ليس من أجل الأخرين، ونحتاج إلى الأمانة ليس من أجل الأخرين، ونحتاج إلى الإخلاص ليس من أجل الأخرين، كل هذه الأخلاق نحتاج إليها ليس من أجل الآخرين، بل من أجلنا سواء آمن بالنفع منها أم لم يؤمن، سواء أدرك الفائدة التي تعود عليه وعلى الجميع من الأخلاق أم لم يدرك ، كلنا نحتاج إلى هذا العقد الأخلاقي الثمين، وأن يكون هذا العقد ملزم للجميع…

الأخلاق هي الطريق الوحيد الذي يجعل الحياة في المجتمع ممكنة، والكل يحتاج إليها، لأنك بدونها تخسر كل شيء، ولن تستطيع أن تتعامل مع الآخر، ولا أن تشتري منه ولا أن تبيعه، ولا يمكن أن تعيش في مجتمع بدون أخلاق…

كل مجتمع يحتاج إلى الأخلاق، وإلا أصبحت الحياة جحيماً…

ولكن المؤمن يرجوا من هذه الأخلاق رضا الخالق ويسعى إليها ببعد آخر، هو يدرك فائدتها ويدرك المردود منها ويجعل مع ذلك نية أن يكون عمله لله …

وتبقى النبوة الحالة الأسمى في الإنسانية فهي تلك الحالة التي يحرص فيها النبي على أن يصل بالإنسان إلى أسمى أخلاقه وأرفع صفاته فهو يبذل الغالي والرخيص في سبيل رفع مستواك الإنساني إنما بعثت لأُتمم مكارم الأخلاق …

فيما قال السيد محمود ملكاوي في مداخلته..

  • قديماً كان المجتمع هو صمام الأمان لحفظ الأخلاق والقيم من الضياع والاندثار، وكانت أعرافه المتعارف عليها بين الناس بمثابة قانون موثق يصعب اختراقه أو تجاوزه، وكان المجتمع قديماً متماسكاً إلى حدٍ بعيدٍ وكانت النخوة والشهامة والتسامح والعفو ووجود المُصلحين من أهل الخير بين الناس أبرز مظاهر المجتمع السائدة آنذاك
  • ورغم قساوة الحياة في ذلك الزمن القديم إلا أنه كان يُعبر عن الحياة الكريمة ويعطي للإنسان مكانته، وكانت فيه أجواء السعادة والراحة، وكان للأشياء معنى وقيمة رغم قلتها وندرتها وبساطتها
  • والغريب في الأمر أن الناس في ذاك الزمن القديم لم يكن التعليم سائداً كما هو اليوم في أوساطهم، ولم تكن المدارس والجامعات متوفرة بالطريقة ذاتها اليوم، ولم يكن أعداد المتعلمين بهذه الكم الهائل وبالكاد أن يتجاوز أصابع اليد أعدادهم ، ولم تكن المساجد الفاخرة في كل زاويةٍ من زوايا المدينة أو القرية أو البادية، كانت المساجد بسيطة في مبناها عظيمة في معناها ورسالتها وقيمها، ورغم ذلك كله كان المجتمع قديماً فيه الحياء والتكاتف والتعاون والتعاضد ويتخلله العطاء بلا مقابل، ويسوده الهدوء والتراحم والمحبة والاحترام
  • ما نراه من ضياع للأخلاق واندثار للقيم سبب بالدرجة الأوّلى النيل من رسالة المعلم
  • الأخلاق اصطلاحاً هي قيم راسخة في النفس ، تنمُّ عنها الأفعال ، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الأفعال قد تكون محمودةً فيكون الخُلُق حَسَناً ! أو قد تكون مذمومةً فيكون الخُلُق سيّئاً! ومن هنا تأتي أهمية الأخلاق في بناء المجتمعات
  • الأخلاق والمبادىء هي الأساس الذي تُبنى عليه القوانين والأحكام ، وهي الدعامة التي قامت عليها مبادئ الشريعة الإسلامية (إنمابُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق ) ، الأمر الذي يجعلها أساس صلاح المجتمعات ، والدرع الواقي من المسبّبات المؤدّية لانهيارها ، وتحويلها إلى مجتمعات تحكمها الشهوات والغرائز والبلطجة ، وبالتالي سيادة قانون الغاب فيها ، كما هو الحال في بعض الدول والمناطق في العالم التي شهدت حروباً أهلية أو طائفية وكان للمُستعمر اليد الطولى في ذلك
  • يعتمد تحقيق المسؤولية الاجتماعية على المنظومة الأخلاقية ، بحيث يجب تقييم القرارات أخلاقياََ ، للتمييز بين الخطأ والصواب قبل وضعها حيز التنفيذ ، واستثناء أية إجراءات غير مسؤولة يُمكن أن تلحق الضرر في المجتمع أو البيئة ، وينبغي على الأفراد والجماعات تطبيق المسؤولية الاجتماعية ضمن المعاملات ، والإجراءات ، والقرارات اليومية خاصة تلك التي تُؤثر بشكل مباشر في الأشخاص أو الجماعات الأُخرى
  • أثر غياب الأخلاق على المجتمع
    ينعكس غياب الأخلاق بشكل سلبي على الأفراد والمجتمعات ، وتتمثل آثاره السلبية فيما يأتي:
  • انتشار الشعور بالقلق والإحباط ، ممّا يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الأفراد والذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدرجة رضاهم أو سعادتهم
  • انعدام الثقة وخلق الشكوك بين أفراد المجتمع ، ممّا يؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بشكل أساسيّ
  • انتشار الفوضى وعدم الالتزام بالقوانين ، مما يساهم في تراجع تنمية الدولة وتطورها اقتصادياً واجتماعياً وحضورها على المستوى العالمي
  • انعدام الشعور بالإنسانية ، اذْ تُصبح مصلحة الشخص وتحقيق رغباته أولوية تبيح له الاعتداء على الآخرين وأذيتهم لتحقيق أهدافه!
  • فُقدان حق التملك ، بحيث تصبح الملكيات متاحة للجميع، وليس بإمكان الشخص الدفاع عن ممتلكاته الخاصة أمام خطر السرقة أوالاعتداء
  • انتشار الفوضى ، والتخلي عن العمل وممارسة الوظائف حتى الأساسية منها؛ لانشغال الأفراد بحرب البقاء!

السيد عادل احمد النسور قال في مداخلته..

ان تقدم وازدهار الامم على مدى التاريخ من تطور الحضارات المختلفة فلن نجد سوى ضبطها بالضمير. واللقيم والاخلاق والتي حث عليها. ديننا وعقيدتنا لحياة المجتمع.
وعند البحث عن سبب اندثار وانهيار الحضارات العظيمه في جميع المراحل التاريخيه المختلفه تجد السبب سوى قلة الضمير واندثار القيم الأخلاقية

المبادئ والقيم التي تحكم حياة المسلمين. هذه المبادئ والقيم التي تعزز العدل والصدق والصبر والكرم والتواضع والتقدم والمساواة والتعاطف والاحترام والتسامح وغيرها الكثير. من المهم فهم هذه المبادئ الأخلاقية وتطبيقها في الحياة اليومية لتعزيز السلوك الحسن وبناء مجتمع إسلامي أفضل.. وقد حث على ذلك القرآن الكريم بعدد من الايات.. واحاديث سيدنا محمد ……. بقوله جأت لاتمم مكارمالأخلاق .
وحالنا بهذا الزمان لا تخفى على احد بسبب الابتعاد عن تعاليم الدين الحنيف . بكل مناحي. حياتنا. حيث تجد الخلل بالمجتمع من حياتنا العامه ومدارس وجامعات من الهيئات التدريسيه والمناهج المترديه نتج عنها مسؤولين بغالبية المواقع التنفيذيه والرقابيه والتشريعيه. وصل لها أشخاص اساؤوا الموقع. الذي انعكس. علينا بشكل سلبي مرعب بتراجع مذهل .
لن تقوم للامه قائمه الا بالعوده للقيم والاخلاق الحميده ومحاربة كل دخيل من اعداء الامه . لتربية واعداد جيل تربى على الأخلاق والقيم. وعدم الاخذ من خارج حدود الوطن العربي. والاسلامي

فيما كان رأي الشيخ عبدالله المناجعه.. شيخ عشائر المناجعه الحويطات..

الدول تبنى وتستقر بعد أن تضع دساتيرها التي تنظم حياتها وتستند معظم الدساتير الي أخلاقيات حميده في أساسها تأخذها من عادات وتقاليد المجتمعات لكن الانهيار الذي نراه في الأخلاق في كثير من الدول هو مخالف لدساتيرها بقوانين مؤقته هدفها التحايل على الدستور ففي الحقيقه التي يؤمن بها الجميع أن الأخلاق هي صمام الأمان وجودها اولا وتطورها ثانيا فالمواثيق والعهود والوفاء بهما هي أخلاق لاتتحمل الا خيارين اما ملتزم او غير ملتزم فكل دوله تحترم نفسها توفي بعهودها وتنفذ التزامتها تحاه مواطنها اولا والدول الأخرى ثانيا.

الدكتور منصور المعايطة.. اختصر مداخلته بالاتي..

يحضرني في هذا المقام الاخلاق واهميتها ودورها في بناء المجتمعات والدول والامم قول أمير الشعراء شوقي حين قال :
إنما الامم الاخلاق مابقيت
فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
وقد بين الخالق سبحانه وتعالي ان الخلق والأخلاق هي أساس بقاء الامم في قوله تعالي :
واذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا.
صدق الله العظيم

الكاتب مهنا نافع.. ركز على تربية الفرد وغرس القيم والمبادىء الطيبة في..

اساتذتي
تربية الأبناء هي مسؤولية جماعية، جلها يقع على عاتق الوالدين أولا، ثم المجتمع ثانيا، لذلك كان هناك لأي خطب ما مهما كبر أو صغر لوم متبادل، فأرباب الأسر تلوم المجتمع على ما آلت إليه أحوال أبنائهم، وبالمقابل المجتمع يضع كل اللوم عليهم واصفا إياهم بكل مرادفات التقصير والإهمال، قساوة بالوصف لا تبقي أي فسحة ولو قيد أنملة لجملة أو حتى لكلمة عذر لهم.
إن بعض النظريات والتي اعتبرها باللا أخلاقية، تدعي بأن الأخلاق الحميدة أو غير الحميدة تورث وكأنها صفة بجين وراثي ما، ولكن هذا أمر غير صحيح فكما أن لا أحد يمتاز بوصف لا فضل له به، وكذلك لا أحد يوسم بصفة سيئة لا ذنب له بها، والحقيقة أنه موضوع تربوي بحت نجاحه للحد المقبول يعتمد علينا، واليوم أصبح له ثلاث قنوات لها التأثير المباشر على تربية الأبناء (حديثي الخبرة)، فالقناة الأولى هي الأسرة والثانية هي المجتمع، أما القناة الثالثة فهي وليدة الثلاثة عقود الأخيرة وتشمل وسائل الاتصال والتواصل بكامل أنواعها.
إن المسؤولية الأسرية تجاه الأبناء تبدأ أولا بالحرص على تقديم القدوة الحسنة، ثم الرقابة المباشرة من خلال القرب والتفاعل معهم والاستماع بدقة لهم لفهم اهتماماتهم ومن ثم التقويم الرفيق لأي سلوك غير سوي لديهم، فالأبناء في مقتبل العمر يتأثرون بمن هم أكبر منهم، وإن بدا عليهم في مرحلة ما عدم الاكتراث لذلك، ولكن بمرور الوقت واكتساب النضوج من خلال الوعي تعود بهم الذاكرة للصورة المثالية لتلك القدوة الحسنة، ولكن هذه المرة تكون مدعمة بالدليل والبرهان من خلال التجربة الشخصية التي يمرون بها.
لا شك أن الظرف الاقتصادي الصعب الذي قد يمر به أي من أرباب الأسر يتوجب عليهم مضاعفة جهودهم للسعي وراء رزقهم سواء من سفر للخارج أو انشغال يومي قد يلهيهم عن متابعة الكثير من التفاصيل المتعلقة بتربية الأبناء، لذلك كان هناك دورا إيجابيا لتغطية هذا القصور من أحد الأفراد المقربين من الوالدين، وغالبا ما كان هذا الدور منوطا بالجدود وقد يمتد إلى الأعمام أو الأخوال.
إن مجتمعنا ما زال قريبا من وصف خاص لطبيعة مكوناته الأسرية وهي الأسرة الممتدة، والتي كان دائما لأفرادها دور فعال لتغطية أي تقصير خارج عن إرادة الآباء، ويأتي الدور الإيجابي لأي طرف يتقدم للمساعدة لتحمل هذه المسؤولية التربوية ولو بشكل مؤقت بالحرص على عدم التقليل من دور الوالدين، بل دعم مكانتهم والثناء عليهم وعلى ما يقومون به من جهد وتضحيات لتأمين تكاليف المتطلبات المعيشية، فبالمحصلة هي مساعدة طوعية للإشراف والمتابعة، لا إحلال بها لأي مكانة أبوية، فلا شيء أصعب من تشتيت الطفل أو حتى الشاب باختلاط الأمر عليه لتحديد المرجعية الأولى لأي قرار يتعلق به.
إن نجاح الأسرة بتحمل مسؤوليتها التربوية على خير وجه تجاه الأبناء لا بد من أن يكون بالتوازي مع نجاح المنظومة المحكمة من التشريعات والقوانين والتعليمات التي تنظم وتضبط علاقة الأبناء الذين لم يبلغوا سن الرشد مع المجتمع المحيط خارج أسوار منازلهم، وتأتي المدرسة كأهم مؤسسة لهؤلاء الأبناء خارج تلك الأسوار والتي سيتفهم القائمون عليها الأساتذة الأفاضل حاملي مسؤولية الرسالة التربوية التعليمية حداثة خبرات هؤلاء الأبناء والعمل على احتواء زلاتهم وتقويم أخطائهم، وهنا يأتي دور المسؤولية الحكومية التربوية بتقديم الدعم وبسخاء لكامل المنظومة التعليمية واستقطاب الكفاءات التربوية التعليمية عالية المستوى، فالاستثمار الأجدر باهتمام الجميع كان ولا يزال الاستثمار ببناء الإنسان.
وكما ذكرنا عن مسؤوليات أرباب الأسر الحرص على تقديم القدوة الحسنة، كذلك لا بد من تقديم وإبراز النموذج الحسن للشخصيات العامة المؤثرة ذات الصيت الذائع في المجتمع، ولا بد أن يدرك هؤلاء الأشخاص ذوي المكانة المرموقة وخاصة لدى الشباب المسؤولية الاجتماعية المهمة التي تقع أيضا على عاتقهم وذلك بالحرص على تقديم النموذج المثالي الذي يتناسب مع القيم والعادات الحميدة الأصيلة ولا ضير من استغلال هذه الشهرة التي اكتسبوها لرد الجميل لأبناء مجتمعهم.
أما المسؤولية التربوية الأهم التي تحتاج إلى تضافر كل الجهود فهي السيطرة وبكل ما تعنيها الكلمة لذلك المحتوى القادم لنا من تلك القناة الثالثة التي ذكرناها والتي تشمل كافة وسائل الاتصال والتواصل المختلفة فقد ثبت أن هذا المحتوى لا يمكن السيطرة عليه إلا من خلال الرقابة الأبوية المباشرة وبالتزامن مع الرقابة الرسمية مما قد يمنع أو يقلل من تأثيره الضار على أبنائنا.
لا شك في أن المسؤولية التربوية لم تعد تدار بالطريقة التقليدية فالثوابت من مكارم الأخلاق متفق عليها ولكن الشرور والمفاسد غيرت الكثير من طرقها السابقة، وتم الخلط بكل دهاء بين السم والدسم، واليوم لم تعد هذه المسؤولية فردية وأصبحت منظومة متكاملة متعددة العناصر المترابطة التي تعتمد على بعضها البعض للتحقيق نجاحها، فهي منظومة أسرية مدرسية اجتماعية حكومية شاملة، ولا بد لكل جهة من فهم واجباتها وتحمل كامل مسؤوليتها تجاه هذا الجيل الجديد جيل المستقبل القادم.

العقيد المتقاعد موسى محمد مشاعرة.. قال في مداخلته..

أهمية الأخلاق في بناء المجتمعات….انما الامم الاخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا..قال تعالى وإنك لعلى خلق عظيم ..تبنى الاسر والمجتمعات والدول على مبادئ اساسية حتى تتمكن من التقدم والنهوض والاستمرار..والمتابع للسيرة النبوية يجد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اقام الدولة الاسلامية على مبادئ الاخلاق والعدل والمساواة فلا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى والصلاح فقال سلمان (فارسي )منا البيت وكان صهيب الرومي من الصحابة ..فكان هناك محتمع متماسك متحاب مبني على أخوة الاسلام هدفه نشر الدعوة الإسلامية واعلاء كلمة الله .

الأخلاق
تعرف الأخلاق لغةً بأنها الطّبع، والسّجية، والدين، علماً أن الدّين هو الصورة الباطنية للإنسان، أمّا الأخلاق فهي الصورة الظاهرة له، ويوصف الشخص بأنه حَسَن الباطن، والظّاهر إن كان حَسَن الخُلُق والخَلْق، أمّا الأخلاق اصطلاحاً فهي قيم راسخة في النفس، تنمُّ عنها الأفعال، ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الأفعال قد تكون محمودةً فيكون الخُلُق حَسَناً، أو قد تكون مذمومةً فيكون الخُلُق سيّئاً، ومن هنا تأتي أهمية الأخلاق في بناء المجتمعات
يمكن التعبير عن الأخلاق بأنها قاعدة أساسية لبناء المجتمعات، حيث تُبنى عليها جميع القوانين والأحكام، وهي الأساس الذي تقوم عليه مبادئ الشريعة والقانون، الأمر الذي يجعلها أساس صلاح المجتمعات، والدرع الواقي من المسبّبات المؤدّية لانهيارها، وتحويلها إلى مجتمعات تحكمها الشهوات أو الغرائز، وبالتالي سيادة قانون الغاب فيها…والمتتبع للتاريخ الاسلامي يجد ان الدولة الاسلامية بدأت بالتراجع عندما بدا الفساد ينخر مفاصلها المختلفة وكذلك الاختلاف والفرقة والانغماس بالشهوات والملءات والبعد عن منهج الله بعد ان كانت في اوج رفعتها ومجدها ..والامثلة كثيرة سواء في الدولة الاموية والعباسية ثم الدولة الاموية الثانية في الاندلس ..ثم الدولة العثمانية..والمتابع لحال الأمة يجد انها في وضع لا تحسد عليه فالمجتمعات يطغى عليها انتشار الفاحشة والخمور والمخدرات والبطالة والمثلية ..واصبحت الاخلاق على الهامش بل اصبح الالتزام بها تخلف ورجعية ..كثيرا ما نقول سواء بعفوية والبعض يقولها عن قصد للتقليل من قيمة حضارتنا ..يقول البعض الغرب يتمتع ويعمل باخلاق الاسلام اكثر من المسلمين ..قد يكون في ذلك شيئ من الصحة ولكن ليس على اطلاقها ..ان الاخلاق وبما تتمثل به من التعامل الطيب والسلوك المستقيم والعدالة وتطبيق القانون بمنتهى العدالة والشفافية. هي
أساس تكوين الأفراد المثاليين والمجتمعات الراقية التي هي
العنصر الأساسي في إنشاء الأسر والمجتمعاتٍ السليمة وهي اللبنة الاساسية لبناء الدولٍ المتقدّمةٍ، والأخلاق تلعب دوراً أساسياً في تهذيب المجتمعات، وإعدادها إعداداً فاضلاً، علماً أنّ الأخلاق المثالية هي العاصمة للمجتمعات من الانهيار والانحلال، كما أنّها هي التي تصون المدنية والحضارات من الضياع، ممّا يجعلها المسبّب الأساسي لنهضة الأمم، وقوّتها.

…..تلعب الأخلاق دوراً أساسياً في تنمية الشعور الجماعي بالآخرين، وفي تنظيم العلاقات بين الأفراد، الأمر الذي يقوّي أواصر المجتمع، ويزيد من ألفته، ومن تعاونه، وتماسكه، وبالتالي قوّته.

….تنمية الإرادة
تلعب الأخلاق دوراً في تنمية الإرادة، ووضع حدود للشهوات، الأمر الذي يدفع الأشخاص لإشباعها بالطرق الصحيحة والشرعية، وبالتالي كبح جماح النزوات والانحراف
……..تعتبر الأخلاق الدستور المثالي الذي يتم تقييم الأفعال والتصرفات بناءً عليه، علماً أنّ كل ما يتفق مع التصرفات هو حسن ومحترم وخيّر، وكل ما يخالفها فهو شر ومحتقر وسيئ، الأمر الذي يوحّد هذه القيم لدى أفراد المجتمع…

الدكتور محمد بزبز الحياري.. كانت مداخلته كما يلي..

على مر التاريخ، عندما يجتمع البشر يحدث التفاعل الانساني ويتطور هذا التفاعل ليصبح سلوكا يحكم العلاقات والتصرفات فيما بينهم، وشيئا فشيئا يتم الاتفاق فيما بينهم ( قد يكون هذا الاتفاق مكتوبا او غير مكتوب) على قواعد تحكم هذا السلوك وهذه القواعد تسمى الاخلاق، وهذه الاخلاق تذهب بمناحي شتى منها الصالح الذي ينظم مسيرة البشر نحو الخير ومنها الطالح الذي يشتت هذه المسيرة ويعود بها للوراء.
وعلى مر التاريخ ايضا بعث الله الرسل بين الحين والآخر ومن ضمن اهداف رسالاتهم ،اعادة النظر بالاخلاق المنتشرة بين الناس وتحكم سلوكهم، للاعتراف واتمام مكارمها ونبذ ومحاربة شائنها، وما زال البشر ومنذ آدم عليه السلام للان بين مد وجزر فيما يخص الاخلاق والصراع مع القيم المادية النفعية، وتبعا لهذا المد والجزر تتبلور حضارة ورقي الامم،والمتتبع تاريخيا لنشوء الحضارات وازدهارها او اضمحلالها وزوالها يجد ان الاخلاق كانت هي المحدد الاول والفيصل الرئيس بذلك وستبقى مستقبلا.

الدكتور محمد صالح جرار – جامعة الحسين بن طلال.. قال في مداخلته التي استمدها من محاضرة اليوم لطلبة العلاقات الدولية..

اليوم في محاضرة مادة الدبلوماسية والقنصلية لطلبة تخصص العلاقات الدولية، كان موضوع المحاضرة خصائص الدبلوماسية الرومانية والبيزنطية والاسلامية، وبعمل مقاربة ما بين الخصائص كانت السمة المميزة للدبلوماسية الرومانية اعتمادها على القوة، وللبيزنطية اعتمادها على المكر والكذب والخداع، اما الدبلوماسية الاسلامية فهي استمدت خصائصها من الفكر الاسلامي الذي حدد أسس العلاقة بين المسلمين وغيرهم.
وأهم ما يميزها انها استندت على معايير الوفاء والاخلاق والصدق.
ما لاحظته لدى طلبتي حالة اليأس من استمرار محاولة اقناعهم بهذه الأسس وهم يشاهدون هذه القيم تهدم أمام أعينهم، والتمسك بها حسب وصفهم من قبلنا أدى الى حالة التشرذم والضعف الذي وصلنا اليه وهم يشاهدون أهلهم يقتلون ويبادون ويجوعون دون أدنى اعتبار للقيم الانسانية والاخلاقية لمن اعتقدنا يوما انهم امم متمدنة حضارية.
باعتقادي نحن اليوم أمام معضلة في تعاملنا مع الغير، والأسس التي يجب ان نبني بها علاقتنا معهم.
هذا لا يعني أنني أدعوا الى انسلاخنا من قيمنا المستمدة من ديننا ولكن ادعوا الى اعادة صياغة خطاب تعليمي للطلبة والجيل الجديد يتوافق مع عقولهم ولا يتعارض مع ما يشاهدونه بأم أعينهم، والتأكيد عليهم ان التمسك بهذه القيم والاخلاق هي سر قوة المجتمعات وضمان تماسكها وان بدت النتائج الآنية هي حالة ضعف لغلبة القيم المادية النفعية، لكن النتيجة ستكون حتما هي انتصار المجتمعات المتمسكة بمبادئ الاخلاق والدين في تعاملها وسلوكها.

فيما قالت الدكتورة فاطمة أحمد العطيات في مداخلتها..

قبل ان نتحدث عن الأخلاق كمفهوم وسلوك لا بد من توضيح مفهوم القيم ..لأن ميزان الأخلاق ومعيارها العادل هو سلم القيم والمعايير العامه والخاصه الفرديه والمجتمعيه التي يتبناها فرداً ما او مجتمعاً ما والطرفان يعتمدان هذه القيم والمعايير في سلوكهما ومجمل ادائهما …

وبناءاً عليه يتم قبول او رفض اي سلوك (قولاً وفعلاً) لأي فرد او جماعه او مجتمع من حيث انسجامه او تعارضه مع سلم القيم والمعايير المعتمده قبلاً ومن أين اتت هذه القيم والمعايير للفرد والمجتمع فقد اتت من الناس والخبره اليوميه في الحياه والتي كان يسودها في البدايات الصراع على مصادر الطاقه ( ماء ،غذاء،ووسائل الحمايه من اخطار الطبيعه والحيوانات وغيرها ) وبالمناسبه لا زال هذا الصراع مستمراً لغايه الآن بين الأفراد والدول بدليل الأمراض الإجتماعيه (العنف والقتل والجريمه والصراع على كل شيئ وغيرها ) والحروب الدائره في العالم
وبناءاً على هذه الخبره الإنسانيه احتكمت البشريه لمجموعه من القيم والمعايير لتوضيح وتحديد سلوك الأفراد والجماعات والمجتمعات ولجأت بعدها الى سن التشريعات والقوانين الناظمه والمسيره للسلوك الإنساني كي لا يبتعد الناس كل الناس عن السلوك (قولاً وفعلاً)عن هذه المنظومه من القيم والمعايير الناظمه للسلوك البشري فعلى سبيل المثال لا الحصر قيم ومعايير الصدق والأمانه والمروءه وغيرها والتي عكسها الكذب والخيانه والنذاله وهكذا ….
وانا هنا اركّز على الفطره وما اودع الله في خلقه من فطره سليمه تميل بالإنسان الى تبني واعتماد سلم القيم والمعايير الإيجابيه ونبذ السلبيه …وقد قال رسولنا عليه افضل الصلاه (انما بعثت لأُتمم مكارك الأخلاق )اي انها موجوده بالفطره وإتِباع الدين يتممها ويرسخها وهنا تأكيد الله سبحانه على ذلك (ونفسٍ وما سوّاها الهمها فجورها وتقواها )
قد افلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها ….معادله وميزان ومعيار ثابت لا اعوجاج فيه ….هي الأخلاق الناتج الحقيقي لسلم القيم والمعايير المعتمده …
والقصه اخطر بكثير من مجرد هذا التحليل السريع فهي تحتاج الى مزيد من التوضيح والفهم والدراسه والعلاج …وللأسف الشديد جداً فإن سلم القيم والمعايير في المجتمع الإردني اصبح متدنياً وغلبت عليه السلبيات والإحتكام للمصالح الضيقه الفاسده الفرديه المحدوده والتي أكيد لا تخدم الوطن لا بل تسير به الى منعطفات وحالات الضعف والخلل والفساد في كل شيئ
واشاعت الواناً مختلفه من العنف والجريمه والقتل والسرقه والفساد و..و..الخ
اتمنى ان نعود جميعاً للتمسك وإحياء قيمنا ومعاييرنا الصالحه السويه حتى نجتاز كل ما يدعونا الى الإنحطاط والتخلي عن الأخلاق
ولوطني الأردن الغالي كل الحب والصدق والأمانة..

الكاتب والمحلل محمود الدباس.. لخص رايه كما يلي..

يمكن ان نلخص الامر بشكل سريع.. على ان عدم الالتزام بالأخلاق والمبادئ سيؤثر سلبا على الفرد والمجتمع بشكل كبير.. حيث ستؤدي إلى زيادة الفوضى وانعدام الثقة والاحترام بين الأفراد.. ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى زيادة وانتشار في معدلات الجريمة والعنف والفساد باشكاله المختلفة.. وبالتالي تدهور القيم والمعايير الاجتماعية.. وتفتت الروابط الاجتماعية،.

وعلى المستوى الفردي.. للاسف نجد ان البعض قد يتغاضى عن الاخلاق والقيّم والمبادئ.. اذا وجد في ذلك ضالته لتحقيقه بعضا من المكاسب او النجاحات..
ولا يعلمون ان هكذا تنازل هو كالدخول في نفق باتجاه واحد.. ولا رجعة فيه بشكل سهل..

واختتم الحوار الباحث في التاريخ الاسلامي.. الدكتور مصطفى التل.. ببحث شامل تحت عنوان.. الأخلاق وفضيلتها بين سيادة النظام وفوضى المدارس الاخلاقية..

قال أبو الأسود الدؤلي :
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ * عارٌ عَلَيكَ إِذا فَعَلتَ عَظيمُ
ابدأ بِنَفسِكَ وَانَها عَن غِيّها * فَإِذا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَل ما وَعَظتَ وَيُقتَدى * بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَعليمُ

لا شك أن المجتمع الإنساني لا يستطيع التحرك إلا ضمن ثوابت أخلاقية , تتفاوت من مجتمع الى آخر , تُشكل بمجموعها العام النظام العام الأخلاقي لذلك المجتمع , الذي يُخرج من خلاله المنظومة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

هذه القيم الأخلاقية , معايير السلوك الانساني في ذلك المجتمع , و تُشكل بمجموعها العام المجتمع المتوازن , المجتمع الذي ينتشر فيه الوعي بالقيم ومن ثم الالتزام بها , ويرتبط بازدياد الوعي والإحساس بها بمفاهيم التقدم والتطور .

ولا ننكر أن هناك تيارا ساد مؤخراً يقول بأن الدولة لا علاقة لها بأخلاق مجتمعها , وانما الاخلاق هي قضية ذاتية للفرد يؤطر علاقته بالمجتمع المحيط بها حسب ما يراه مصلحة له .

ولا ننكر أننا نعايش مرحلة تبدّل للأخلاق اجتماعيا , وهدم للقدوات , والجرأة على النظام العام الأخلاقي للمجتمع , بأمثلة كنا نعتقد كمجتمع أردني أنها من وحي الخيال , فعلى سبيل المثال لا الحصر :

لم يَدر في خُلد العقل الجمعي الأردني , في يوم من الأيام , ولا في لحظة من لحظاته التاريخية المجيدة , أن يرى برامج أو مسلسلات تنتجها شبكات وهمية على الشبكة العنكبوتية , ستغزو اخلاقه علانية , ولم يدُر في خلده ولو للحظة , أنه سيكون في مجتمعه مَن يعتبرها ( مسألة قابلة للنقاش ) , تلك المنظومة الأخلاقية العامة التي تشكل بمجموعها المجتمع الأردني بكافة انتاجاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية .

ولم تصوّر في يوم من الأيام , أن سلطاته التنفيذية متمثلة بالحكومة وأذرعها , أنها ستسمح لمثل هذه الأفلام , ومثل هذه البرامج الموجهة , أن تغزو مجتمعنا , دون تحريك ساكن .

ولم يفهم المجتمع الأردني سرّ سبب شلل السلطة التشريعية في مجتمعه أمام السلطة التنفيذية , التي تقف موقف المحايد من هذه البرامج الموجهة , كما هو ملموس على أرض الواقع من حيث التحرك العام وعدمه .

متى كان في النظام العام الأردني الشواذ وقوم لوط يُقبض عليهم في مزارع خاصة , ويحولون الى الحاكم الإداري , ويطلق سراحهم آمنين مطمئنين الى مواخيرهم .؟!!

متى كان في النظام العام الأردني المواقع الإباحية تطرح للنقاش في مجلس الأمة , ويعجز مجلس الأمة عن منعها , بل تركت السلطة التنفيذية الخيار لولي الأمر في منعها أو عدم منعها ..؟!!

متى كان في النظام العام الأردني طرح ثوابت الدولة الأردنية وثوابت العقل الجمعي الأردني للنقاش , واعتبارها مسألة قابلة للنقاش ..؟!!

لكن السؤال الأهم , والأكبر : من أين جاؤوا بهذه القوة والمجاهرة , حتى يتم اخضاع هذه القيم الأردنية المقدسة للنقاش , كرأي جمعي عام حسب تصورهم ؟!

ما هي منطلقات فلسلفتهم القيمية الأخلاقية والدينية , والتي يريدون اصباغها على الدولة الأردنية كعقل جمعي أردني ..؟!!

حقيقة ظهرت علينا تلك المظاهر الهادمة للأخلاق الفضلى في مجتمعنا بشكل جمعي منذ أن أطلّ علينا التيار الليبرالي ومن بعده النيوليبرال برأسه , وبدأ بتسلم مفاصل القرار في الدولة الأردنية , في محاولة منه لاعادة الصراع بين ( الفرد والجماعة والدولة ) بهدف انتاج نظام عام للدولة الاردنية وكأنه لم يسبق للنظام العام في الدولة الاردنية وجود .

يهدف لاعادة استنساخ تلك الدولة الاوروبية الغربية بجميع فلسفاتها واخلاقها واخلاق شعوبها , بثوب شرقي , منطلق من فلسفاتها الأخلاقية العامة .

لماذا يفعلون هذا ؟ ما هو هدفهم الأعلى في ظل تأجيج صراع وجودي بين الفرد والمجتمع والدولة ؟ لماذا يريدون هدم القدوات من ثقافتنا ؟!!

حتى نقف على جواب لهذه الاسئلة المتشعبة , لا بد من شرح سريع لنشأة النظام العام الاخلاقي الحديث للدولة القومية , ومسألة النظام العام وتدرجه وتفاعل عناصره على المستوى الداخلي للدولة القومية , ونسبية الأخلاق التي يؤمن بها التيار الليبرالي الحديث والنيو ليبرال , الذين ابتلينا بهم رغما عن أنوفنا .

*النظام العام الأخلاقي في مفهوم الدولة القومية الأوروبية الحديثة من حيث التطور التاريخي :

عندما تثور الصراعات اﻻجتماعية والسياسية في دولة ما , يثور معها الجدل حول حدود اﻻنضباط الذي تفرضه الدولة للحفاظ على الحد الأدنى من شروط انضباط الجماعة الإنسانية وسير شؤونها في مقابل مساحات الحريات ومساحة التغيير.
وبما أن جماعة ( نسبية الأخلاق ) يعتبرون العصر القانوني وفلسفاته بدأت من أواسط القرن السادس عشر الميلادي , وما قبله كان مجرد تنظيمات قانونية بدائية , لا ترتقي الى مفهوم التنظيم القانوني الذي يتغنون به , فسنبتديء من هذا التاريخ , لنرصد التطور العام لمفهوم ( النظام العام ) للدولة , الذي بُني على مفهوم ( النظام العام الأخلاقي ) بمعناه الواسع أو القاصر . .

ظهر النظام العام ﻷول مرة في الكتابات القانونية الغربية في نهاية القرن السادس عشر مع صلح (ويستفاليا ) الذي حسم قضية السيادة على الرعايا وجعلها للدولة القومية الحديثة بدلا من الكنيسة أو الأباطرة، وظهر المصطلح كأحد موضوعات القانون الدولي الخاص في جعل السيادة للدولة القومية على رعاياها والمقيمين فيها وهي سيادة تمنعهم من ممارسات معينة باسم النظام العام.

النظام العام بتفاعلاته المختلفة بين عناصره المختلفة , ظهر كرد فعل على حكم الكنيسة وأباطرتها في أواسط القرن السادس عشر من خلال ظهور الدولة القومية بمفهومها الحديث , مع صعود الطبقة البرجوازية الى سدة الحكم , مؤذنةً بطرح قيم أخلاقية ومفاهيم فكرية وفلسفية واجتماعية لم تشهدها المجتمعات الغربية في ظل حكم الكنيسة والأباطرة من قبل للنقاش العام , في محاولة من الطبقة البرجوازية لتشكيل مفاهيم وقيم أخلاقية وفلسفية مساوية للكنيسة وحكمها سابقا .

الأمر الذي استلزم معه كتكريس لكيان الدولة القومية الحديثة وتكريسا لمفاهيمها المستجدة غربيا , ايجاد آليات قانونية تضمن النجاح في عملية التغيير السياسي , وتدعم الطبقة البرجوازية التي قامت حديثا , وإيجاد المفاهيم والفلسفات المستحدثة داخل العقل الجمعي للمجموعات السياسية التي دعمت قيام الدولة القومية الحديثة في الغرب , فكانت فكرة ( النظام العام ) كأبرز هذه المفاهيم المستحدثة غربيا .

وكرد فعل طبيعي على كبت حرية الفكر للفرد الغربي , ومحاربة ارادته الفردية , من قبل حكم الكنيسة وأباطرتها , فكان محور هذا النظام العام الغربي المستحدث , هو الحرية الفردية , واعتبارها جوهر وجود الدولة القومية الحديثة في الغرب , ومن هنا جاءت مقولة وفلسفة ( الحق الفردي هو حق ذاتي كسبه الفرد بواقعة وجوده في الحياة , مستجلباً اياه معه الى المجتمع ) .

هذه الفلسلفة التي تبتنها الدولة القومية حديثة الولادة في الغرب , من حيث اطلاق حرية الفرد بدون ضابط , وإطلاق حرية تصرفه أيضا بدون ضابط , أوجد تحديان رئيسيان :

الأول : أوجدت هذه الفلسفة والمفاهيم الجديدة في اطلاق حرية الفرد بدون ضابط , صراعا صداميا وجودياًة خُلقيا وماديا بين الأفراد في المجتمع الواحد , اذ أن الارادات والحريات متضاربة ومتفاوتة بين الفرد والآخر في المجتمع الواحد , كما أن حدود الحرية لا ضابط له عند كل فرد, فكل فرد يرى أن حريته هي الغاية من وجوده , وهي الغاية التي يجب أن تسود ولو على حساب الأفراد في المجتمع , . فأصبحت الصراعات الصدامية بين الأفراد في المجتمع واقعا مؤذيا للدولة القومية حديثة الولادة في الغرب .

الثاني : الارادة الفردية والحرية الفردية دخلت في صراع صدامي مع الارادة الجمعية للدولة القومية حديثة النشأة , ممّا هدد وجودها تهديدا حقيقيا , اذ أن التعامل كان مُنفلتا صداميا عصياً على الانضباط والانصياع للدولة القومية حدية النشأة .

نتيجة هذين التحديين , وجدت الدولة القومية الحديثة في الغرب نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما :
الأول : أن تصادم الدولة القومية الحديثة في الغرب و فلسفتها في وجودها , والتي بُنيت عليها أيديولوجيتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والخُلقية , وتؤكد وجودها وسيادتها الداخلية بالحد من الانفلات بحجة الحرية واخضاع الجميع لها , ولو أدى ذلك الى هدم جزء من فلسلفة ومفاهيم هي أوجدتها لتقوم هذه الدولة .

الثاني : أن تخضع الدولة القومية بالعقل الجمعي لها , لهذا الانفلات وهذا التصادم , مما يعني انتهاء مشروع الدولة القومية في الغرب

بطبيعة الحال كان الخيار الأول للعقل الجمعي للدولة القومية في الغرب , وبدأت كافة الاتجاهات الفلسفية والمفاهيمية والقيمية تسير في هذا الاتجاه , لدعم قيام الدولة وسلطات الدولة , وحماية الدولة نفسها حديثة النشأة من الانهيار .

أصبحت فكرة النظام العام أداة بيد الدولة القومية كسلاح ضارب لإجبار المجتمع على الاتساق والانسياق القسري للدولة , وتأديبا للمجموعات السياسية المختلفة واجبارها للاندماج بالدولة القومية الحديثة وان تتساوق مع فلسفتها ولو على حساب المفاهيم العامة التي قامت عليها الدولة القومية الحديثة في الغرب .

مفهوم القانون العام للدولة القومية بعد تلك المرحلة , تبلور في المفهوم القصدي للدولة القومية , من حيث انتزاع الشرعية من مختلف الجماعات السياسية التي شاركت في قيام الدولة القومية إلى حصر الشرعية فقط فيما يصدر عن هذه الدولة , ولو كان شرعية مفاهيم أو شرعية تشريعية , أو شرعية اجتماعية .

عززت الدولة القومية احتكارها للمفهوم العام للمفاهيم القيمية والشرعية, وقامت بتأميم هذه المفاهيم لصالح الدولة القومية , على حساب الأفراد والجماعات السياسية المختلفة , في مصادمة واضحة لفلسفتها التي قامت عليها الدولة القومية , وحرية الفرد وأنها جوهر قيامها .

احتكرت التشريع , واحتكرت مفاهيم قيمية , وعممتها على الأفراد والجماعات , بفكرة النظام العام للدولة ,وكل مصادم لهذه القيم والمفاهيم الصادرة عن الدولة , فهو يستحق العقاب الشديد لأنه خرق النظام العام للدولة , ولو كانت هذه المفاهيم القيمية مصادمة لدين المجتمع وعاداته وتقاليده .

الأمر الذي عزّز الشعور لدى الفرد والجماعة , بأن الدولة القومية صادرت امكانية الاسهام في تشكيل المشروعية والشرعية داخل الدولة القومية من مختلف الاتجاهات والجماعات السياسية الأخرى , مما حذا بهذه الجماعات , بأن تشحذ قواها , لاستعادة بعضا من المشروعية التي سلبتها الدولة منها لصالح العقل الجمعي للدولة القومية .

دخلت الدولة في صراع آخر هدد وجودها , صراع مع الفرد والجماعات السياسية المكونة لهذه الدولة القومية الحديثة , وهو ما استهلك القرن التاسع عشر الميلادي برمته , واستمر الصراع حتى منتصف القرن العشرين .

لم يهدأ هذا الصراع الوجودي بين الدولة القومية والفرد والجماعة , حتى وصل الجميع الى نقطة اتزان بين هذه المكونات , محتفظا كل فريق بما حققه من مكاسب في صراعات صدامية وجودية بين الأطراف الثلاث .

ولكن , من أين جاءت هذه الصراعات الوجودية بين الدولة القومية وغيرها من الافراد والمجموعات المختلفة تحت لواءها , والتي يحاول التيار الليبرالي في الاردن اعادة طرحتها من جديد باسم قيم جديدة ومعايير قيمية حادثة ؟! من اين مدرستها الأم ؟!!

  • النظام العام للدولة القومية الأوروبية والمدرسة الاجتماعية القانونية الفرنسية :
    مصطلح “النظام العام” استمر في الظهور من خلال كتابات القانون الدولي الخاص الاوروبي إلى أن دخل للقانون المدني الاوروبي مع أول قانون مدني أوروبي مكتوب عام 1804 م , تحت سلطة نابليون بونابارت.
    والتطور الذي لحق بمفهوم النظام العام الاوروبي هو انتقاله من دائرة القانون المدني الاوروبي لدائرة القانون العام الاوروبي ، ومن دائرة المعاملات بين اﻷفراد لدائرة المعاملات بين اﻷفراد والدولة في المجال العام الاوروبي ، وعليه سنجد بداية ظهور مصطلح “جريمة النظام العام” في الدولة القومية الاوروبية , والذي يعني ببساطة أن يرتكب أحد اﻷفراد فعل في المجال العام يجرح أو يهدد أو يخل بأحد اﻷعراف والثوابت المستقرة التي تشكل كلها النظام العام للدولة.

التطور الأهم في القانون العام الأوروبي هو ظهور المدرسة القانونية الإجتماعية الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, كرد فعل طبيعي للصراع الوجودي بين الدولة القومية الاوروبية وبين الفرد الاوروبي والجماعات السياسية , وظهور فكرة النظام العام بيد الدولة القومية الاوروبية , في محاولة لابجاد نقطة ارتكاز بين هذا الثالوث الأهم في الدولة القومية الاوروبية حديثة النشوء , وهي التي تأثر بها مشرعي العالم العربي بعد ذلك , ومن أبرز الفقهاء القانونيين المتأثرين بهذه المدرسة , الفقيه القانوني المصري ( عبد الرزاق السنهوري ) , الذي تتلمذ على يد الفقيه القانوني الفرنسي ( لامبارت) من المدرسة الاجتماعية القانونية الفرنسية , والسنهوري يُعد المرجع الأول للمشرعين العرب في الفقه القانوني .

ملخص فلسفة هذه المدرسة الفرنسية : ( أن النظام العام للدولة القومية الأوربية ليس قيداً , وانما هو أفق ).

ولكن ما هي العلاقة بين هذه المدرسة الأم للنظام العام للدولة الأوروبية والتي يحاول البعض الآن اعادة الحياة لها داخل الاردن , وبين الدين كمعيار قيمي للنظام العام للدولة الأردنية ؟!

  • ملاحظات عامة على تطور مفهوم النظام العام للدولة القومية الأوروبية , وارتباطها بالدين كمعيار قيمي للنظام العام فيها :

– كما اشرنا في البداية , أن الدولة القومية الاوروبية حديثة النشأة , احتكرت السيادة المطلقة على رعيتها , ولم تسمح لأي جماعة أو فرد مهما كان أن ينازعها السيادة , وهي ردة فعل طبيعية للكنيسة وحكمها , ووضعت الدولة القومية الأوربية نفسها مكان الكنيسة والأباطرة في السيادة , ولكن بمفاهيم وقيم هي احتكرتها لنفسها , وتبلور هذا المفهوم نتيجة انتصار الدولة القومية الأوروبية الحديثة على الكنيسة وحكمها الديني , وهذا المفهوم بالسيادة للدولة القومية الأوروبية هو تعبير عن إخضاع الدين للدولة , وليس اخضاع الدولة للسلطة الدينية .

– الدولة القومية الأوروبية ونظامها العام , هو تعبير عن مصطلح ( علمنة الدين ) بجميع قيمه ومفهوماته ومصطلحاته , وجعله شأن خاص , حيث أننا نلحظ هذا الأمر من خلال تقدم الدولة القومية في تحقيق فلسفتها في الحرية الفردية , فكلما تقدمت الدولة الأوروبية في هذا النظام العام , كلما وضعت قيودا أكبر بتجريم جرائم النظام العام , وكأن الدين يتم تحويله لشأن خاص , ثم يظهر بعد ذلك في المجال العام كشأن خاص جدير بالحماية من قبل الدولة , وليس كسلطة عليا تخضع لها الدولة ، وبالتالي حين تريد الدولة وضع قيد على إهانة المعتقدات , فهي لا تقدم تنازل أمام سلطة الدين ، والدليل على ذلك أن الدولة توفر له حماية كشأن خاص في المجال العام.

– الدولة القومية الأوروبية ومن خلال ما تقدم , نلحظ أنها وضعت النظام العام حسب مفهومها الخاص الذي يصادم الدين كسلطة , ويصادم مفاهيمه التنظيمية والأخلاقية , للسيطرة المطلقة على حرية الأشخاص تحت حكمها , وقطع الطريق على هؤلاء الأفراد منازعتها السيادة أو أخذهم الصفة التشريعية والتي تستند في الغالب الى المرجعيات الدينية والأيدلوجية لهم , وبالتالي السيطرة على الجماعات السياسية والاجتماعية , وسلب صفة المساهمة التشريعية مع الدولة , والفرد لا يكون رشيد ولا صالح ولا هو قادر على ممارسة حرياته الفردية , إلا إذا خضع للمفاهيم القيمية للدولة القومية الأوروبية , والتي تبلورت من خلال النظام العام الأوربي , وهذا ملموس عند المهاجرين للدولة القومية الاوروبية من طرف المسلمين اليوم , اذ لا يسمح له بممارسة حريتهم الفردية , إلا إذا خضعوا لإعادة هيكلة مفاهيمية قيمية للنظام العام للدولة القومية الأوروبية , هو مصطلح يطلق عليه اليوم ببرنامج ( اندماج المهاجرين في المجتمع الأوروبي ) .

– النظام العام للدولة القومية الأوروبية , يقدم للدولة التشريعات اللازمة والأسباب الكافية , للتدخل في اعادة هيكلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة القومية الأوروبية , وهو تعد واضح على الحرية العامة في حقها في تحديد سياسات الاقتصاد والاجتماع في دولتهم , ولكنها نقطة رئيسية لاحتكار السيادة – وعدم الرجوع للخلف في الصراع المستميت في أوروبا بين الدين والدولة القومية – لإنتاج مواطن حسب المفاهيم القيمية للدولة الأوروبية القومية الحديثة .

خلاصة هذا التطور , وضعت الدولة القومية الأوربية نفسها بين محورين أساسيين لوجودها لا ثالث لهما بصراع مستميت لوجودها كمعيار قيمي للاخلاق الجمعية فيها وما هي مصادره , وهما : اخضاع الدين للدولة , أو إخضاع الدولة للدين وسلطاته .

وسط هذا الصراع المستميت الوجودي بين الدين والدولة الأوروبية الذي اتعكس على تشكيل مفاهيم أخلاقية عليا مصدرها الدولة نفسها , هل الهدف العام من النظام العام للدولة القومية الأوروبية هو سيادة النظام أم سيادة الفضيلة ؟!!

*الهدف العام للقانون العام للدولة القومية الأوروبية هو سيادة النظام لا سيادة الفضيلة :

عندما نُبحر في المدارس الفلسفية الأوروبية حول النظام العام للدولة القومية الأوروبية حديثة النشوء , في محاولة لتحديد القانون العام للدولة القومية الاوروبية وفصله عن الآداب العامة للدولة القومية , سنجد النزاع القائم والمُتجذّر حول مفهوم النظام العام للدولة القومية , ومدى ارتباطه بالآداب العامة للدولة القومية الأوروبية .

حقيقة النزاع أنه نتج عن مفهوم السيادة للدولة القومية الأوروبية من خلال انتاج مفاهيم خُلقية واجتماعية واقتصادية وسياسية , بعيدة كل البعد عن النظام الكنسي وحكمها الديني , نتيجة انتصار الدولة القومية الأوروبية على الكنيسة والأباطرة وحكمهم الديني في أوروبا .

وكما هو مشار إليه في المقدمة , أن الدولة الأوربية القومية , تداخلت وأنشأت النظام العام بهدف انتاج مفاهيم قيمية منطلقة من هذه الدولة نفسها , وعليها يقاس المواطن الراشد الذي يستطيع ادارة حريته برشد حسب مفاهيم هذه الدولة القومية .

النظام العام أخذ بالتوسع , واخذ بالامتداد الى عناصر غير تقليدية في مفهوم الدولة القومية الأوروبية , فامتد من عناصرها التقليدية المادية و التي هي بالإجمال ( تحقيق الامن العام , والصحة العامة , وتحقيق السكينة العامة ) , ليمتد الى عناصر غير مادية وغير تقليدية , وتمتاز بالمرونة بحال طبيعتها , ومتحركة ومتغيرة في البيئة الأوروبية , وهو ما اصطلح حسب الفقه القانوني العام الاوروبي بتسميتها بــ ( النظام العام المعنوي او الاخلاقي -الاداب العامة- ), باعتبار أن فكرة النظام العام هي فكرة مرنة، ولا تقتصر على عناصر محددة، اضافة الى ان اتساع تدخل الدولة في ميادين متعددة داخل المجتمع، قد ترتب عليه ان اصبحت فكرة النظام العام غير مقصورة على العناصر التقليدية لهذه الفكرة .

من حيث انتهى الصراع بين الفرد والجماعة السياسية والاجتماعية والدولة القومية الاوروبية , وهي المدرسة القانونية الاجتماعية الفرنسية , والتي أطّرت النظام العام الأوروبي وآدابه العامة , في إطار الأفق وليس التقييد , نحاول الانطلاق في هذه المدرسة من حيث ما يصطلح على تسميته ( بالنظام العام الأخلاقي غير المادي ) . وهو لب الصراع الحالي الذي نشاهده في الاردن بين أخلاق محافظة تعد من ثوابت المجتمع الأردني , وبين تشكيل مفاهيم أخلاقية غير محافظة تتجلّى بطبقة قد يعتقد البعض أنها دخيلة على المجتمع , مع ملاحظة شلل شبه تام للسلطة التنفيذية ومن فوقها التشريعية في التعامل مع هذا النظام الأخلاقي غير المادي .

هذه المدرسة اختلفت في وجود النظام العام المعنوي او الاخلاقي (الاداب العامة) على رأيين :
الأول : لا يجوز للسلطة التنفيذية في الدولة القومية الأوروبية التدخل في ضبط النظام المعنوي الأخلاقي مادام انه لا يتمتع بمظهر مادي خارجي , وتتدخل السلطة التنفيذية لحماية النظام العام التقليدي ذات المظهر العام الخارجي المادي فقط .

يعود جذور ذلك اساساً الى ان المشرّع الفرنسي لم يتطرق للآداب العامة كأحد عناصر النظام العام في التشريعات الصادرة في هذا الخصوص ، وتحديداً في قانون (5/ ابريل/ 1884 ) او قانون الادارة المحلية الصادرة في (27/ يناير/1977 ) و قانون رقم (142 لسنة 1996 ) والمتعلق بالجماعات الاقليمية او المحلية ، بل اقتصر على تعداد العناصر التقليدية للنظام العام فقط ، وذلك ما دفع بعض الفقهاء .

إذ أن القانونيين الفرنسيين قرروا انكار وجود نظام عام معنوي او اخلاقي منفصل عن النظام العام المادي ، حيث ذهب الفقيه القانوني الفرنسي هوريو “Hauriou” الى ((انه يجب ان يخرج من نطاق الضبط الاداري المحافظة على ما يسمى بالنظام العام الادبي على نحو ما يعبر عنه الافكار والمعتقدات والأحاسيس ما لم يكن الاخلال بهذا النظام خطيرا ، ويكون من شأنه تعكير النظام العام المادي وتهديده تهديداً مباشراً )).

كما ذهب الفقيه القانوني الفرنسي ريفيرو “Rivero” الى ان ((فكرة النظام العام يجب ان تحمل على مدلول النظام العام المادي والذي يعتبر في هذه المثابة حالة مناقضة للفوضى. اما الحفاظ على النظام العام الادبي والإبقاء على هذا الوضع الذي يسود الافكار والمعتقدات والأحاسيس فلا يقع تحت سلطان الضبط الاداري)) .

الرأي الثاني : ذهب الفقه الفرنسي القانوني الى الاقرار بوجود نظام عام معنوي او اخلاقي وبشكل مستقل عن النظام العام المادي ، بحيث يمكن لسلطة الضبط الاداري ان تتدخل لحمايته وان لم يكن له ارتباط مباشر بالنظام العام المادي ، وذلك على اعتبار ان ما ورد في النصوص القانونية من تحديد لعناصر النظام العام، قد ورد على سبيل المثال وليس الحصر، لذا فانه لا يوجد ما يمنع من اعتبار الاداب العامة كونها احد عناصر النظام العام، وان كان ذلك لا يجيز لسلطة الضبط ان تتدخل مالم يكن هنالك تهديد مباشر للنظام العام المادي.

بعض الدول العربية , أخذت بالرأي الثاني للمدرسة الفرنسية , لا بل بعض الدول العربية مثل العراق ومصر , حددت فصل خاص في قانونها للآداب العامة في الدولة .

من حيث النتيجة العامة وتأثيرها بالعالم العربي , كيف حاول التيار الليبرالي والنيو ليبرال اعادة تشكيل مفاهيمنا الأخلاقية والقيمية من خلال هذا الصراع الاوروبي المهدد للوجود للدولة بحد ذاتها ؟!

  • التيار الليبرالي والنيو ليبرالي ومنظومة النظام العام للدولة :

التيار الليبرالي امتداد طبيعي للصراع داخل الدولة القومية الأوروبية , وهو نتاج تضاد بين النظام العام للدولة القومية الأوروبية بمفاهيمها الاحتكارية العليا , ومحاولة انتاج مواطن منطلق من هذه المفاهيم الاحتكارية , الى محاولة التوفيق بين النظام العام المادي والنظام العام غير المادي والمتمثل بالآداب العامة للقانون العام .

بالنتيجة خرجت الليبرالية كنتيجة متوقعة من رحم هذا الصراع الوجودي , متبنية النظام الأخلاقي الفردي النفعي , والذي يتبدل في ذاته قيمه الأخلاقية حسب النفعية المتبعة في المجتمع والسياسة والاقتصاد .

الليبرالية كفلسفة اقتصادية أو نسق مجتمعي تقف مهزوزة أمام سؤال الأخلاق , لأنه ليس لها في مرجعيتها النظرية ، ولا في تطبيقها المجتمعي ما يمكن أن يسند القيم الأخلاقية بما هو التزام يتعالى على النفعية الفردية .

الرؤية الليبرالية للاجتماع تتأسس على منظور فردي يقصد الربح المادي والمنفعة الشخصية , وبذلك فهي عاجزة عن تبرير ذاتها كفلسفة تقصد بناء الحياة المجتمعية ، لاحتياج هذه الحياة ولابد إلى الأساس الأخلاقي المتعالي على المصلحة الفردية ، أساس شارط لها لا مشروطا بها.

فالانسان في المنظور الليبرالي هو ( كائن اقتصادي نفعي ) , بمعنى آخر , أن جميع قيمه الأخلاقية وقيمها العليا , خاضعة لمنفعته الاقتصادية , كيفما حصل عليها , وكيفما جمع دخله الاقتصادي , فهي معيار وجوده ككائن انساني , وهي غاية وجوده في دولته وبيئته .

بالنتيجة العامة نلاحظ أن الفلسفة اللييبرالية , ليست ضد النظام العام للدولة , وانما هي تريد انتاج نظام للدولة حسب مفاهيمها الفلسفية الليبرالية , والتي تُغلفها بمغلّفات عقلية رائجة للاستهلاك , مثل حيادية الدولة .

وملخص مفهوم ( حيادية النظام العام للدولة ) أنه يجب أن يكون حيادي تجاه المفاهيم الأخلاقية التي تنتج المفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشعب . وعليه , فإن دار الدعارة الموجود في الشارع العام , لا يجب على الدولة منعه , ما دام أنه خاضع للسلطة في الدولة , ويدفع ترخيصه للدولة , ويقوم بواجباته الاقتصادية للدولة مثل الضرائب , فدار الدعارة منتجة اقتصاديا , وبالتالي غاية وجودها في الدولة متحققة . وعلى النظام العام حمايته لا انهائه .

وحتى نخرج من هذه التسمية المشينة في المجتمع الشرقي فلنسميه بغير ( بين الدعارة ) فليكن مثلا ( نادي ليلي) أو ليكن ( مركز ترفيه للبالغين) , فالاعتراض في هذه الفلسفة ليس على الدعارة بحد ذاتها , بل الاعتراض على انه اذ تم ممارستها خارج ( النادي الليلي ) أو ( مركز الترفيه للبالغين ) , لا تصب بمصلحة اقتصاد الدولة , فلا تدفع ضرائب ولا تتجه للموازنة العامة للدولة , وبالتالي اصبحت نشاطا غير مشروع .

من هنا نستطيع فهم سبب ما كان يسمى ( بكازينو الشرق ) الذي كان من المنوي اقامته على الاراضي الاردنية بدعم مباشر من هذا التيار , وما هي قيمه الاخلاقية التي يريدها للمجتمع الأردني , ولا يهمه ما هي الأخلاق التي ستتشكل لاحقا لدى المحتمع الاردني , بما ان النفعية هي السائدة .

قد يعترض البعض بأن التيار الليبرالي لا يسعى لهذا الامر , وانه مجرد تيار اقتصادي , سنستعرض بالعموم نظريات الحياد للنظام العام في هذه النظرية ؟

من حيث العموم هناك ثلاث نظريات للحياد الليبرالي والتي تُشكل بمجموعها العام النظام العام للدولة اللييبرالية , هي على الاجمال كما شرحتها (سيسيل لابورد) :
تؤكد أولى هذه النظريات أن الدولة الحيادية -وبالتالي الليبرالية- هي التي لا تستدعي في تبرير أفعالها مفهومًا شاملًا عن الحياة السوية ، أو المقاصد النهائية للحياة الإنسانية ، أو القيم التي ينبغي أن توجه مسار المواطنين.
وترى النظرية الثانية أن الدولة الحيادية –الليبرالية- ليست هي التي تساوي في تعاملها مع مختلف الأديان فقط ، وينبغي ألا تتضمن تشريعاتها أي امتيازات خاصة أو ممارسات محددة لاعتقاد معين ، ومن ناحية أخرى لا تتشدد في التعامل مع معتقد ديني دون الآخرين ، أو تقلص من حقوقه أو حرياته بحجة طبيعته الدينية.
أما النظرية الثالثة، فترى أن الدولة محايدة وبالتالي ليبرالية ، إذا كانت لا ترجع في تبرير أفعالها إلى أفكار لا يتشاركها جميع المواطنين لطبيعتها العقدية.
لدينا إذن ثلاث محاولات على أساس ليبرالي لتحديد حقوق الدولة وحقوق المواطنين: الأولى أخلاقية (لا للتبريرات التي تستدعي مفهوم الحياة السوية)، والثانية قائمة على العدالة (لا تمييز بين معتقدات أو ممارسات دينية ، أو معتقدات أو ممارسات غير دينية)، والثالثة فلسفية معرفية (لا لاستعمال أفكار لا يتشاركها كل المواطنين).
وتستمر سيسيل لابورد في شرحها : إذا كانت هذه المفاهيم الثلاثة هي التي بحوزتنا، فإن المهمة تصبح مستحيلة؛ فكل منها رغم الإيجابيات التي تتضمنها وفتحها مجال لتحليل خصب ، إلا أنها تفتقد لبعد هام في المسألة:
فالنظرية المؤسسة على الحياد الأخلاقي تقدم ميزة عدم استبعاد كل الأفكار الأخلاقية من الخطاب العام ، ولكنها تستبعد فقط تلك التي تتعارض مع حرية المواطنين في رسم حياتهم وفقا للأفكار التي يؤمنون بها عن الحياة الناجحة.
فأفكار الخير العام (مثل الحفاظ على البيئة) تعد مقبولة حيث إنها لا تتعرض للاستقلالية الشخصية للأفراد. ولكن في المقابل، يتجاهل هذا الأساس أن التشريع العام الذي لا يتضمن أي مفهوم عن الحياة السوية يمكن بالرغم من ذلك أن يكون له تأثير قلق على بعض فئات المجتمع. ومن ذلك، التشريع الخاص بالحجاب ، يمكن أن يكون له تبريرات تتعلق بالمصلحة العامة ، ولكنها تعتبر غير مناسبة بل وتؤثر بصورة بالغة على من يولون أهمية كبيرة لهذه الممارسة الدينية، بل يعتبرونها واجب عقائدي. ويعترف المناصرون لنظرية الحياد الأخلاقي بهذا الواقع، وهم بهذا الاعتراف يهدمون أسس التمييز التي تنبني عليها نظريتهم ؛ وهي التمييز بين التبرير المحايد (لازم لتحقق الشرعية الليبرالية)، وبين التأثير المحايد (وهو مستحيل التحقق). فالحدود بين العام والخاص، باعترافهم، لا يمكن ترسيمها بدون الرجوع إلى تعريف واضح للحياة السوية، وكل ما له أهمية من أجل حياة ناجحة.

من هنا نستطيع فهم تلك المفاهيم الأخلاقية الجديدة على المجتمعات العربية , والتي اصبحت تُطرح بشكل مجاهر للعموم , وعلانية , كانت تعتبر أنها مقدسة للشعوب , يمنع الاقتراب منها .

ولكن كيف تأثّر النظام العام الاردني بهذه المدرسة في الفترات الأخيرة ؟!!

  • الدولة الأردنية ومحاولة اعادة انتاج الدولة ونظامها العام ضمن مفاهيم أخلاقية ليبرالية :

وجد العقل الجمعي الأردني على مستوى الدولة نفسه أسيرا للتيار الليبرالي في مختلف المواقع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية .

والدولة المحافظة وجدت نفسها في صراع مفتوح مع التيار الليبرالي داخل الدولة العميقة التي أنتجها هذا التيار , منذ ما يربو عن عشرين عام مضت .

حاولت الدولة المحافظة الاشتباك مع انتجات هذا التيار , ومحاولة فكفكة المفاهيم العامة له , والتي يحاول هذا التيار بمحاولات مستميتة لإعادة انتاج النظام العام الأردني وآدابه حسب مفهمومه الليبرالي , وكانت قمة المواجهة في تيار باسم عوض الله , في محاولته زرع فتنة ضاربة على مستويات الدولة برمتها , ليس بدءا بالمجتمع , وليس انتهاءا بالنظام الأردني نفسه .
انطلقت المحاولات اللاحقة لمحاولة تأطير هذا التيار ضمن النسق العام للدولة الأردنية , في محاولة منها لاستيعابه , وتقليل الآثار المدمرة على الدولة الأردنية وثوابتها .

فعمل التيار على اعادة طرح الثوابت الأردنية في صيغة صدامية مع مختلف التيارات في البيئة الأردنية , للرجوع الى عصر ما قبل الدولة الأردنية , لمحاولة انتاج هذه الدولة من الصفر.

فعاد بالدولة الى الصراع بين الثالوث ( الفرد والجماعة والدولة ) , وأدخل الدولة في صدامات اقتصادية وسياسية واجتماعية , مما جعل التيار المحافظ في الدولة للتحرك بسرعة خاطفة في محاولة منه لانقاذ ما يمكن انقاذه .

وتم طرح مسألة حرية الفرد , ومسألة مشروعية الجماعة داخل الدولة , مسألة النظام العام للدولة وحيادها , ومسألة سيادة الدولة نفسها , وهل هي منطلق المفاهيم أم هي متلقية المفاهيم والقيمة الاخلاقية , ام هي محايدة لا اخلاق لها ولا مفاهيم .
واعادة صورة الصراع الذي كان سائدا في الدولة القومية الأوروبية حول مسألة الدين , وهل الدين خاضع للدولة أن الدولة خاضعة للدين , في محاولة صدامية مع المؤسسة الدينية في الأردن .

كل هذا تماشى مع انسحاب المؤسسة الدينية في الأردن من المشهد العام , و تأطيرها في الشأن الخاص للفرد , وتقوقعها في مسائل الصلاة والصيام والزكاة , و مسائل الاحوال الشخصية للفرد , والأخيرة لم تسلم من بطش هذا التيار , ومروان المعشر أحد أقطابه ويطالب بانهاء قانون الاحوال الشخصية في الأردن , بحجة أنه لا زال مثارا للانتقاص من الجندرية الأردنية .
بتسلم أصحاب هذا التيار المناصب التنفيذية في الأردن , والمناصب التشريعية , وغيرها من المناصب الحساسة , والتي تكون تحت أيديهم متاحة , سرحوا ومرحوا , في التخطيط العام , باستخدام مصادر الدولة نفسها , فكانت الثوابت العامة مكان نظر مطول منهم , باعتبارها عوائق أمام انتاجهم الجديد .

فتوجهوا للعشائر , وضربوها بمقتل , وتوجهوا للمسائل الاخلاقية والتي تشكل النظام العام الأردني وضربوها بمقتل , وتوجهوا للمؤسسة الدينية واستغلال الارهاب وداعش , وسلطوا سيوفهم التي تقطر من الفاظ الاتهامات بالداعشية , وضرورة تنقيح المؤسسات الدينية من أي افكار داعشية , وضربوها بمقتل , وانزوت المؤسسة الدينية الأردنية عن المشهد العام والاشتباكات الفكرية التأطيرية في هذه المرحلة الحرجة .
توجهوا للمؤسسة العسكرية والأمنية , وأدخلوها بصراعات داخلية واشتباكات داخلية على مستوى الدور العام والمفهوم العام الأمني , كانت انتاج هذا التيار , وحاولوا ابعادها عن التأطير للسياسة العامة الأردنية , وحاولوا جاهدين لسحب المؤسسة العسكرية الأردنية والأمنية من تقديم أي استشارة تخص السياسة الخارجية أو الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية , واحتجوا أن هذه المؤسسة فقط دورها أمني , ولا علاقة لها بأي دور غيره .
اجادوا اللعب على وتر الحريات , واجادوا التنفيذ على ساحة اعادة التشكيل لبعض مفاهيم النظام العام الأردني وآدابه , وتفننوا في السحق الاقتصادي ضمن منظومة اقتصادية متقنة الأبعاد .

نجحوا في سحب الدولة من مصادر الانتاج الاقتصادي , ونجحوا في زيادة مديونية الأردن الى ما يزيد عن انتجاها القومي بمرة ونصف , ونجحوا في ايجاد حواضن منغلقة لمفهومات اخلاقية صدامية مع الشعب الأردني بحجة الحرية , وحجة حيادية الدولة .
ورد فعل السلطة التنفيذية تجاه الآداب العامة الأردنية , والنظام العام الأردني القانوني أصبح مؤطر بهذا الاطار , والآن اعادة تشكيل محاور سياسية داخل الاردن , واعادة تشكيل ثوابت اردنية , واعادة تشكيل مفاهيم قيمية أردنية , جارية على قدم وساق , مع اعادة التمثيل الديموغرافي داخل السياسات الأردنية الداخلية والخارجية , في محاولة لانهاء العشائرية ووجودها داخل جسم الدولة نفسها .
والمثير للجدل , أن جميع هذه الخطوات تم اتخاذها من دول مجاورة , فلم تورث الى شعوبها إلا الهلاك والدمار والخراب , فالعراق أنتجها مسبقا , مصر انتجتها , وسوريا في أوجها , وليبيا تجاوزتها منذ عشرات العقود من الزمان . والنتيجة ماثلة أمامنا , ولا زال البعض مصر على إعادة انتاج الدولة الأردنية من رحم الدولة القومية الأوروبية .

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page