أقلام حرة

مش تمثيل يا بابا

كامل النصيرات

حالة الغربة التي يشعر بها المواطن العربي في وطنه لا يمكن وصفها ..فعندما تشعر بعجزك المتعاظم فيك لتلبية أقل نداء يوجّه إليك من طفل على شاشات التلفزيون وأنت متأكد أن هذا الطفل يخصك و يحمل كلامك ويشترك معك في كرامتك ..بل و يرسو على شاطئ أحلامك ..هذا على وجه العموم لا الخصوص ؛ يجعلك من الضائعين بينك وبين دماغك ..بينك وبين قلبك ..بل بينك وبين حواسك الخمس ..
بماذا أجيب أولادي عن أطفال غزّة ..؟؟ عشرات الأسئلة التي تمطرني ..أسئلة قمة في الاحراج ..تأخذني إلى الأعلى فوق فوووووق و تتركني بلا حاضن أو ماسك..فأقع على كل شيء إلا على إجابات للأسئلة ..
على أيامنا قبل عشرين وثلاثين سنة ..كانت تحدث المجازر ..ولكن لم تكن تصل الصور إلا بعد حين ..وليست بالصور الكثيرة ..لذا ؛ كنا وكان من معنا يعرفون على الأقل بماذا يجيبون ..عن العدو الغول ..أما الآن و الدم تراه يهرق لحظة بلحظة ..والصرخة تصلك بذات اللحظة التي يطلقها الطفل في غزّة ..و التجزير و التلحيم أمام ناظريك وكأنك جزء من المشهد ..و أعصابك مشدودة ,,وحواسك ضائعة ..وعقلك ينغلق حتى عن معرفة واحد زائد واحد ..وقلبك يشعر بورم لا يضمحل ..وعيونك تمارس دورها بحفر قنوات مائية على خدودك ..يأتيك طفلك وأنت بحومة ذلك ليسألك : بابا هاذا تمثيل ..؟ بابا هاذا مش حقيقي ..؟ لأنك كنت أجبت على تلك الأسئلة في أفلام الآكشن ..
ماذا تقول له الآن ..؟؟ بابا هذا بين الحقيقة و الخيال ..هذا خيال كرامتنا التي تذبح ..وذات يوم قريب ستكبر و تعرف أنها الحقيقة بل و بعض الحقيقة وليست تمثيلًا ؛ لأن التمثيل تعهد به النظام العربي الرسمي ..والمصيبة أنه فاشل في التمثيل ..

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page