أقلام حرة

إلى مَن أشكو همّي؟!..

محمود الدباس – ابو الليث..

نحن بشر خلقنا الله وجعل فينا خليطا من المشاعر.. فهي التي تقودنا في الكثير من تصرفاتنا.. وهي التي تقربنا من الآخرين.. وهي التي تبعدهم عنا..

ولا بد لنا من ان نتعرض لظروف عديدة ومختلفة.. تؤثر في مشاعرنا واحاسيسنا.. وتنعكس سلبا او ايجابا على مجريات واحداث حياتنا.. وعلى من هم حولنا.. فمَن مِنا لم يشعر بالفقد؟!.. ومَن منا مَن لم يتعثر في منحى مِن مناحي الحياة؟!.. ومَن منا مَن لم يشعر بالخذلان او الغبن؟!..
ولاننا جُبلنا على العيش والتعايش مع الاخرين في مجتمعات وليس فرادى.. فالحديث والفضفضة طبع من طباعنا الانسانية..

وحاشى لله ان لا يسمع للشخص الساكت كما يقولون.. وانما هو وحده من يعلم ما تخفي الصدور.. وما تعلن الألسن ويظهر على الجوارح.. ولكن الانسان هو من لا يسمع للساكت.. فوجب البوح بمشاعرنا وآلامنا ليعلمها الاخرون.. وحتى لا نلومهم على عدم معرفتهم بصمتنا وسكوتنا..

فتجد الواحد منا يحتاج بين الفينة والاخرى لشخص يبوح له عمّا في داخله.. وللأسف قد لا يستطيع ذلك الشخص الذي اخترته ان يستوعب ما انت عليه.. ولا فهم الظرف الذي قادك لان تكون في ذلك الوضع.. فكثيرا ممن نعتقد بانهم الملجأ.. تكون ردات افعالهم على ما نختلج من هموم عكس ما يجب ان تكون..
فبدل ان يكون المواسي للنفس.. والمضمد للجراح.. والمشعل لاضواء الأمل.. والفاتح لابواب الخير والايجابية.. والمساعد على ترميم العلاقات واعادتها لسابق عهدها.. او المساعد بإيجابية لتخطيها..
فيكون المثبط والمحبط والمنَكِص والسلبي..

يقولون الشكوى لغير الله مذلة.. نعم فالله هو الملجأ.. واليه المشتكى.. فحين تسكننا المعاناة.. وتحيط بنا النوائب والخطوب.. ونتعرض لفقد العزيزين.. فان سجدة على سجادة في جوف الليل فيها التذلل والطلب والشكوى.. لهي خير ما نفعله.. فكما أخبرنا الله تعالى عن حال نبيه يعقوب عليه السلام بقوله حين اشتد به الخطب.. “إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ”.. وكلنا ثقة ويقين وإيمان على انه هو القادر سبحانه على تبديل الأحوال..

ولكن علينا ان نعترف بان النفس البشربة تهوى البوح عما يختلجها من مشاعر يضيق بها الصدر.. وتشعر احدنا بالاختناق.. فلا بد من وجود اناس من اهل المروءة يستوعبون البوح اكان تلميحا او تصريحا.. ويتسع صدرهم لسماع ما نريد ايصاله.. ويمتلكون من الحكمة والخبرة الحياتية لكي يساعدونا في تخطي ما نحن عليه.. او المساهمة في حل ما يحيط بنا عقد.. وتجاوز ما يواجهنا من ضيق..

فصاحب المروءة الذي يقصده الناس.. يجب ان يكون لماحاً.. ولا يجعل من يلجأ اليه ليفضفض عما يجول في نفسه.. يقف ذليلا منكسرا.. او يوبخه على ما هو عليه..
فيجب عليه ان يحاول تحليل كل كلمة او حركة او ايماءة..
فكما نعلم.. ان كثيراً من الحقيقة وراء قولنا “كنت أمزح”..
وكثيراً من الغيرة وراء قولنا “لا.. عادي”..
وكثيراً من الألم وراء قولنا “حصل خير”..
وكثيراً من العذاب وراء قولنا “أنا بخير”..
وكثيراً من الحاجة وراء قولنا “تسلم ما تقصر.. مستورة والحمد لله”..

فهنيئا لاصحاب المروءة الذين يلجأ اليهم اهل الهموم.. ومتحشرجوا الصدور التي تكاد ان تختنق.. فقد سخرهم الله واصطفاهم لهذا الحمل الذي لا يحمله الا امثالهم.. فهم اهل الثقة لستر ما يعلمون.. وهم اهل الصبر وسعة الصدر في السماع.. وهم اهل الفضل اذا ما اقدموا على المساعدة..

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page