تدمير الاقتصاد الفلسطيني مستمر..
الشاهين الاخباري
ليس خافياً أن الاحتلال الإسرائيلي، متمثلاً، الآن، بحكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرّفاً من سابقاتها، يسعى جاهداً لإلحاق أكبر الخسائر الممكنة بالفلسطينيين بشراً واقتصاداً، بعدما عجز حتى الساعة حتى تحقيق هدفه الأساسي المعلن، وهو إلحاق الهزيمة النكراء بالمقاومة وإحباط روح الصمود والتصدّي في صفوف أهل الأرض الراسخين فيها رغم كل ما ترتكبه آلة العدو من قتل ودمار بلا هوادة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023. فما المنهجية التي يتبعها الاحتلال في تدمير الاقتصاد الفلسطيني حتى الساعة؟
تتوالى التحليلات والتقارير من الخبراء والمنظمات المتابعة لمجريات العدوان المستمر منذ أكثر من تسعة أشهر، وجديدها أمس الاثنين ما كتبه المؤرخ والأستاذ بمعهد العلوم السياسية في باريس جان بيير فيليو في صحيفة لو موند تحت عنوان “حرب بنيامين نتنياهو المالية ضد السلطة الفلسطينية”، ليخلص بنتيجته إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية تعمد إلى شل السلطة الفلسطينية مالياً، من خلال حجب الإيرادات التي ينبغي تحويلها إليها تلقائياً.
وأشار إلى أن نتنياهو لا يزال مفتقراً إلى خطة واضحة لما يسمّى “اليوم التالي” في غزة، فيما من الواضح أن لديه مصلحة كاملة في إطالة أمد الأعمال العدائية لأطول فترة ممكنة، مع احتمال إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، والذي دعمه من دون قيد أو شرط خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض خلال ولايته السابقة، ليضيف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعرف أيضاً أن إطالة أمد الصراع تحميه من الإجراءات القانونية الثلاثية ضده (الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة) ومن لجنة التحقيق التي ستحقق في أسباب انهيار أمن إسرائيل في عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي.
ويعتقد فيليو أن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 38 ألف شخص خلال تسعة أشهر، كانت مصحوبة بقمع مكثف في الضفة الغربية المحتلة، حيث استُشهد نحو 600 فلسطيني في الفترة نفسها، لكن نتائج حدة هذا العنف، الذي يلعب فيه المستوطنون دوراً حاسماً بالتواطؤ مع الجيش الإسرائيلي، تتفاقم بسبب الضغوط المالية الشديدة على السلطة الفلسطينية وهي ضغوط أصبحت أكثر شدة بعدما أسند نتنياهو حقيبة وزارة المالية إلى بتسلئيل سموتريتش الذي لا يُخفي رغبته في استعمار الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل كامل، مع إشارة هذا الخبير إلى أن “من عجيب المفارقات هنا أن اتفاقات السلام الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في الفترة بين 1993 و1995 هي التي وجد فيها نتنياهو وسموتريتش السلاح اللازم لإركاع السلطة الفلسطينية مالياً”.
منهجية الاحتلال لتدمير الاقتصاد الفلسطيني
لكن السؤال يبقى حول المنهجية التي انطلقت منها حكومة نتنياهو لدفع السلطة الفلسطينية وبالتالي الاقتصاد الفلسطيني إلى حافة الانهيار المالي. وهذا ما سعت داليا العزة وشهزاد الدين في تقرير مشترك نشرته منصة شبكة “زد” (Z) المستقلة وفيه يتطرقان إلى هذه السردية انطلاقاً من إعلان وزير المالية القومي المتطرف سموتريتش في مايو/ أيار الماضي، أنه سيحجب عائدات الضرائب المخصصة لفلسطين، وذلك رداً على اعتراف إسبانيا وأيرلندا والنرويج بالدولة الفلسطينية.
كذلك عمد إلى خصم هذه الإيرادات، وهدّد بقطع علاقة البنوك الفلسطينية بنظيراتها الإسرائيلية، في خطوة من شأنها، إن حصلت، وقف جميع المعاملات المالية الخارجية ومنع استيراد العديد من السلع الأساسية إلى الأراضي الفلسطينية. وكل ذلك يأتي في وقت تعاني فيه السلطة التي تمثل الهيئة الحكومية التي تمارس سيطرة جزئية على الضفة الغربية المحتلة وبالتالي الاقتصاد الفلسطيني من أزمة مالية حادة.
فوفقاً لتقرير نشره البنك الدولي في أواخر مايو الفائت، فإن الوضع المالي للسلطة “تدهور بشكل كبير” في الأشهر الثلاثة السابقة، بما يزيد من احتمال حدوث “انهيار مالي وشيك”. كذلك يعاني الاقتصاد الفلسطيني أصلاً من البطالة والفقر. وخلال الأشهر التسعة الماضي، فُقد نحو نصف مليون وظيفة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي العاشر من يوليو/ تموز الجاري، قالت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين المفوضين من الأمم المتحدة إن المجاعة تنتشر في جميع أنحاء غزة، في حين أن الانهيار المالي للسلطة لن يؤدي إلا إلى مفاقمة الأوضاع نحو الأسوأ.
تجدر الإشارة إلى أن لإسرائيل سيطرة مالية راسخة على السلطة الفلسطينية. فبموجب اتفاقيات السلام الموقعة في تسعينيات القرن العشرين، تجمع وزارة المالية الإسرائيلية الضرائب نيابة عن الفلسطينيين وتقوم بتحويلات شهرية إلى السلطة الفلسطينية. لكن إسرائيل توقفت عن إجراء التحويلات بعد وقت قصير من بدء الحرب، واحتجزت أموالاً تتراوح بين 60% و70% من إجمالي قيمة الموازنة العامة الفلسطينية.