الاحتلال يعمق معاناة 750 عائلة فلسطينية في البلدة القديمة من الخليل
الشاهين الاخباري
يواجه ما يزيد على 750 عائلة فلسطينية في البلدة القديمة بمدينة الخليل، ظروفا حياتية قاسية وبالغة الصعوبة، نتيجة سلسلة الإجراءات القمعية والتعسفية المتصاعدة التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي عليهم، بالإضافة إلى اعتداءات المستعمرين المستمرة على الأهالي وممتلكاتهم، والتي ارتفعت وتيرتها بشكل كبير منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ويقول الناشط عارف جابر الذي هو أحد سكان البلدة القديمة لـ”وفا”: “لقد تحولت حياة الأهالي في تلك المناطق إلى جحيم حقيقي، بفعل إجراءات قوات الاحتلال القمعية والتعسفية، والتي شملت إغلاقات، وفرضا لحظر التجول، وتقييدا للحركة، واعتداءات مستمرة وغيرها من الإجراءات”.
وأضاف: “منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أغلق الاحتلال 17 منطقة جديدة في الأحياء الواقعة شرق الحرم الإبراهيمي الشريف، وعزلها عن بعضها البعض وفصلها عن باقي أحياء البلدة القديمة والمنطقة الجنوبية بشكل كامل، بالإضافة إلى إغلاق ما يزيد على 50 محلا تجاريا بشكل كامل، ومنع أصحابها من فتح أبوابها، كما فرض منعا كاملا للتجول استمر نحو أربعة أشهر، تحول بعد ذلك إلى منع مسائي للتجول لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا”.
كما فرض الاحتلال قيودا مشددة على حركة المواطنين سواء داخل تلك الأحياء، أو التنقل منها وإليها، وحدد لهم ساعات معينة للخروج تبدء من الساعة السابعة حتى العاشرة مساءً، وعبر ما يعرف بحاجز 160 العسكري، حيث يجبر المواطنين على السير مسافات طويلة للوصول إلى ذلك الحاجز، ويشترط أن تكون أسماء الراغبين في المرور مسجلة مسبقا لدى الجنود على تلك الحواجز، ناهيك عن الإغلاقات المفاجئة وغير المبررة، والتي تؤدي في كثير من الأحيان إلى إغلاق الحواجز، ما يجبر أعدادا كبيرة منهم على المبيت خارج منازلهم.
ويتعرض المواطنون لشتى أشكال التنكيل والتفتيش على تلك الحواجز، ويتم احتجاز عائلات كاملة لساعات طويلة يتخللها اعتداءات بالضرب المبرح والتنكيل بطريقة مهينة جدا، حيث يُضرب الأب وينكل به أمام زوجته وأطفاله، كما يحرص الجنود على استفزاز تلك العائلات من خلال محاولتهم وإصرارهم على إخضاع النساء والفتيات للتفتيش الشخصي، الأمر الذي يثير حفيظة المواطنين، ويدفعهم إلى العراك بشكل مباشر مع الجنود، ما يعرضهم لمزيد من الضرب والتنكيل والاحتجاز لساعات أطول في ظروف صعبة.
ويتلاعب جنود الاحتلال بالأسماء التي يسمح لها بالمرور، إذ يتم شطب الأسماء التي لا تنتظم في المرور بشكل يومي، ما يعني أن المواطن الذي لا يرغب في الخروج من بيته أو أقام خارج المنطقة ليوم أو يومين، لا يعد له اسم على الحاجز، وبالتالي لا يُسمح له بالمرور أو الوصول إلى منزله.
وبسبب هذه الإجراءات، لا يتمكن عدد كبير من المواطنين من الوصول إلى منازلهم، ويجبر جزء منهم على البحث عن مكان للمبيت خارج تلك المناطق، والجزء الآخر يحاول الوصول إلى منزله بطرق أخرى، إما بتسلق الجدران أو عبر أسطح منازل الجيران، أو من خلال القفز على الأسلاك الشائكة وغيرها من الطرق الشاقة والخطرة.
ولا يشكل الوصول إلى المنزل نهاية للمعاناة، إذ من الممكن أن يطرق الجنود باب منزلك ليقولوا لك أنت محتجز بتهمة تمكنك وعائلتك من الوصول إلى منزلكم!!، فقد تم رصدك عبر كاميرات وطائرات المراقبة، ذات الدقة العالية، والتي ضاعف الاحتلال نشرها على الطرقات وفي محيط منازل المواطنين في تلك المناطق، والتي تراقب وتصور أدق تفاصيل حياتهم، في انتهاك صارخ لخصوصيتهم.
ويُؤخذ بعد ذلك هو ومن معه من أطفال أو نساء، ومن ساعدهم من جيران وغيرهم، إلى ما يعرف “معسكر واد الخصين”، مركز التوقيف والتعذيب، ففي هذا المعسكر يتعرض المواطنون لأبشع أشكال التنكيل، وكل من يخرج منه يُنقل فورا إلى المستشفى.
وأكدت الباحثة الميدانية في مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة “بتسيلم”، منال الجعبري، أن المواطنين في تلك المناطق يتعرضون لأقصى أشكال التنكيل والتعذيب، ويعانون في جميع نواحي حياتهم، فهم يعيشون داخل معتقل كبير فرضه عليهم الاحتلال، حيث يتعرضون فيه لكل أشكال التنكيل والتعذيب.
وأضافت: تمكنا من توثيق إفادات بعض الأهالي حول هذا الأمر، على الرغم من محاولات الاحتلال المستمرة منعنا من الوصول إلى تلك المناطق، وتهديد المتطوعين وترهيبهم لمنعهم من تصوير تلك الاعتداءات وتوثيقها، فباتت المقاطع والصور الواردة من تلك المناطق شحيحة للغاية بسبب استهداف الاحتلال للنشطاء والمتطوعين، لمنع نشر جرائمه بحق المواطنين.
وأشارت الجعبري، إلى أن قوات الاحتلال تنفذ عمليات احتجاز كبيرة للأهالي دون سبب، وتقتادهم إلى معسكر “واد الحصين”، ويتعرضون فيه لممارسات غير إنسانية، بجانب التنكيل التعذيب.
وأوضحت الجعبري، أن أبرز ما يميز هذه الموجة من الاعتداءات أنها لم تقتصر فقط على الرجال والشباب، بل تستهدف بشكل مقصود ومباشر النساء والأطفال أيضا، حيث يتم الاعتداء عليهم واقتيادهم إلى داخل المعسكرات والحواجز، واحتجازهم لساعات طويلة، في محاولة لإلحاق الأذى النفسي بأهاليهم، باعتبار أن هذه من الأمور الحساسة للغاية، وتثير مخاوفهم بشكل كبير.
ومن جانبه، قال مدير الدائرة القانونية في لجنة إعمار الخليل، توفيق جحشن، إن المنطقة شهدت في الأشهر الأربعة الأولى عقب العدوان الإسرائيلي على غزة، ارتفاعا وتصعيدا كبيرا في سياسة الاحتلال القمعية بحق السكان وممتلكاتهم في تلك المناطق، حيث سُجل في تلك الفترة ما يزيد على 282 اعتداءً نفذها جيش الاحتلال.
وأضاف أنه رُصد أكثر من 30 شكلا من أشكال الانتهاكات، التي ارتكبها الاحتلال بحق المواطنين، والمحرمة حسب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، شملت جميع نواحي الحياة ومن أهمها: الحرمان من التعليم حيث أغلقت أربع مدارس وثلاث رياض للأطفال بشكل كامل، وحرمت ما يقارب 1007 طلبة و60 طفلا وطفلة من التحاق بمدارسهم ورياض الأطفال حتى مطلع العام الجاري.
وعلى الصعيد الصحي، أغلقت عيادتين بشكل كامل في منطقة تل الرميدة ومناطق شرق الحرم الإبراهيمي، وحرمت بذلك مئات العائلات من الحصول على الخدمات الطبية، بالإضافة إلى فرض حظر التجول وتوسيع الإغلاقات وما يرافقها من صعوبات في وصول المرضى إلى مراكز العلاج.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فقد أدت تلك الإجراءات إلى إغلاق نحو 1829 محلا تجاريا، منها 512 تم إغلاقها بأوامر عسكرية، وأُغلق الباقي نتيجة الإجراءات القمعية المستمرة وفرض حظر التجول وصعوبة وصول أصحابها والمواطنين إليها.
وتأتي هذه الانتهاكات ضمن سياسة ممنهجة يهدف من خلالها الاحتلال إلى تحقيق عمليات تهجير قسري غير مباشر للأهالي، وخلق جيب استعماري ما بين 1-1.5 كم مربع، يمتد من تلك المناطق إلى مستعمرة “كريات أربع”، تمهيدا لسحب صلاحيات بلدية الخليل عن تلك المناطق، لصالح ما يعرف بمجلس المستعمرات، وبالتالي “قوننة ما هو غير قانوني”.
وحسب تقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود في السادس من الشهر الجاري فإن المنطقة المسماة H2 في الخليل (البلدة القديمة) تعد من أشد المناطق حظرا في الضفة الغربية، حيث يوجد 21 حاجزا عسكريا إسرائيليا تتحكم في حركة المواطنين الفلسطينيين، وتشكل عوائق كبيرة أمام العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يحاولون الوصول إلى المنطقة.
ويوضح: “على مدار شهرين بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أُغلقت عيادات وزارة الصحة داخل المنطقة H2، ولم تتمكن سوى عيادة واحدة فقط من فتح أبوابها بسبب القيود الإسرائيلية”.
ويبين أنه في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وبعد أن منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي وصول جميع موظفي وزارة الصحة إلى المنطقة، ما أجبرهم على إغلاق أبوابهم أمام المرضى، أخبرتنا موظفة في “أطباء بلا حدود” تقيم في منطقة H2 بأنه، “لا عيادات تعمل حاليًا ضمن المنطقة المغلقة، وحتى لو كانت موجودة، فإن السكان يعيشون في خوف من فكرة الموت من أجل الدواء. لا يمكنك أن تمرض هنا، فهذا غير مسموح”.
يذكر أنه في كانون الثاني/ يناير عام 1997، وقع بروتوكول الخليل، الذي تم بموجبه تقسيم المدينة الى منطقتين: H1 والتي تشكل 80% من المساحة الكلية لمدينة الخليل ويسكن فيها حوالي 180-200 ألف فلسطيني، ووضع هذا القسم تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة.
ومنطقة H2، وتشكل مساحتها 20% وتتركز في البلدة القديمة من الخليل ويسكن فيها حوالي 40-50 ألف فلسطيني، إضافة إلى نحو 500 -600 مستعمر في سبع مستعمرات رئيسية إضافة الى عدد من البؤر الصغيرة وهي عبارة عن مباني ومنازل للمواطنين الفلسطينيين تم الاستيلاء عليها بالقوة.
وفا- ساهر عمرو