أقلام حرة

طوفان الاقصى : مرآة لديناميكيات النظام العالمي

د. نعيم الملكاوي

في أعقاب إعلان وقف إطلاق النار في غزة ، تتجلى حقيقة جوهرية لا يمكن تجاهلها : ما شهدناه ليس مجرد صراع محلي ضد محتل ومغتصب فقط ، بل هو انعكاس عميق لديناميكيات النظام العالمي وأدواته في الشرق الأوسط متمثلة بالدولة المصطنعة والمريدين لها من اصحاب الاجندة الخاصة التي تتقاطع مع مصالح الحاكمية العالمية للمال والسلاح وهيمنة السلطات .
يعود تاريخ الصراع في فلسطين إلى بدايات القرن العشرين وبعد انهيار الإمبراطورية العثمانية الإسلامية ، حيث تشابكت المصالح الاستعمارية مع طموحات الحركة الصهيونية . ليأتي وعد بلفور عام 1917 كنقطة تحول محورية حين منحت بريطانيا وعداً بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، متجاهلة بذلك الحقوق التاريخية والدينية لسكانها الأصليين .

ومن منطلق البعد السياسي والاستراتيجي تمثل ” إسرائيل” ، منذ تأسيسها عام 1948 ، ركيزة أساسية في استراتيجية القوى الغربية في المنطقة للهيمنة والنفوذ . وقد تجلى هذا في :

  • الدعم العسكري والاقتصادي الغربي غير المحدود
  • استخدام حق النقض (الفيتو) الأمريكي في مجلس الأمن لحماية هذا
  • توظيف الصراع لإبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار وضعف لسهولة السيطرة عليها
  • حالة الهلع والقلق التي انتابت ممثلي الحاكمية العالمية لحظة طوفان الأقصى وتهافتهم غير المسبوق على دولة الاحتلال اما الأبعاد العسكرية فقد شكلت الترسانة العسكرية “الإسرائيلية” أداة رئيسية لتنفيذ السياسات الغربية في المنطقة من خلال :
  • تفوق عسكري نوعي ولوجستي مدعوم غربياً
  • استخدام التقنيات العسكرية المتطورة في النزاعات الإقليمية
  • استغلال المنطقة في اختبار الأسلحة الجديدة في ظروف قتالية حقيقية
  • دفع بقية الجبهات المتمثلة في ” محور المقاومة ” على الظهور والمشاركة لتصفية الحسابات معها واضعافها

ولا ننسى البعد الديني والثقافي حيث تم توظيف البعد الديني في الصراع بشكل معقد من خلال :

  • استخدام النصوص الدينية لتبرير السياسات التوسعية
  • تجاهل الحقوق الدينية والثقافية للفلسطينيين
  • تسييس المقدسات الدينية في القدس وغيرها من المقدسات الإسلامية ، المسيحية وحتى اليهودية لخدمة أهدافهم

تداعيات الحرب الأخيرة
أظهرت الحرب على غزة عدة حقائق جوهرية :

  • استمرار سياسة الكيل بمكيالين في التعامل الدولي مع القضايا الإنسانية وانكشاف الأخلاقية الدولية على حقيقتها
  • تصاعد الوعي العالمي بحقيقة الصراع وطبيعته وإدراك ان الحالة الفلسطينية حالة نضال ضد محتل مغتصب لا يراعي ادنى مستويات الإنسانية في التعامل بعكس ما كان يروج له سابقاً
  • تزايد التضامن الشعبي العالمي مع القضية الفلسطينية وظهور حالة جديدة من تضامن بعض الأنظمة الرسمية مع هذه القضية والوقوف ضد غطرسة المحتل وداعميه
  • تنامي حدة الوعي والمواجهة الفلسطينية ضد الاحتلال ، وما قتل الأطفال والنساء وتدمير سبل الحياة الا دافعاً اشد تأثيراً وفتكاً من حالة السكون والسلام التي ستنتج بل وانتجت حالة متطورة من الردع والمقاولة ضد الاحتلال على كافة الأصعدة .

إن فهم الصراع في غزة يتطلب رؤية شاملة تتجاوز الأحداث المباشرة إلى فهم عميق للنظام العالمي وآلياته والحاكمية التي تدير دفته . ما نشهده اليوم ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من محاولات الهيمنة على المنطقة ، لكن تنامي الوعي العالمي وتغير موازين القوى الدولية قد يفتح آفاقاً جديدة لمستقبل أكثر عدلاً وإنسانية . وما عملية طوفان الأقصى إلا نقطة انطلاق ومرآة عكست وفضحت الوجوه الحقيقية لكثير من الأنظمة والمواقف الإقليمية والدولية والأيام القادم سيتكشف الكثير من الخفايا .

زر الذهاب إلى الأعلى