
أزمة منتصف العمر لدى الرجال: ما بين الفراغ والتجدد
خلدون حامد عليدي
عندما نتحدث عن التغيرات التي تصاحب مرحلة منتصف العمر، غالبًا ما يتجه الحديث نحو النساء، والتغيرات الفسيولوجية الناتجة عن انقطاع الطمث. لكن ما يغيب عن أذهان الكثيرين هو أن الرجال أيضًا يمرون بأزمة لا تقل عنها، بل قد تكون أكثر تعقيدًا وخطورة، خصوصًا بين منتصف الخمسين وحتى السبعين من العمر.
في هذا العمر، غالبًا ما يتقاعد الرجل عن عمله الرسمي، وهو أمر قد يبدو مريحًا للبعض، لكنه يحمل معه فراغًا كبيرًا لم يعتد عليه. فالعمل كان يشغل وقتًا طويلًا من يومه، ويمنحه شعورًا بالجدوى والإنتاجية. فجأة، تتغير الحياة. لا مواعيد يومية، لا ضغوط عمل، لا تفاعل مستمر مع الزملاء. يصبح الوقت طويلًا جدًا… وصامتًا.
يُضاف إلى ذلك انخفاض الدخل بعد التقاعد، ما يُجبر الكثيرين على تغيير أنماط حياتهم والحد من مصاريفهم، وهو ما قد يُشعر الرجل بالعجز أو الفقدان، خاصة إذا لم يكن مستعدًا نفسيًا وماليًا لهذه المرحلة.
من الناحية الاجتماعية، يجد بعض الرجال أنفسهم “غرباء” داخل بيوتهم. فالزوجة التي كانت تنتظره بعد العمل وتُعد له الطعام وتستمع لأخباره، أصبحت منشغلة بأحفادها، وربما اعتادت على نمط حياة مستقل عنه نسبيًا. أما الأولاد، فقد كبروا وكونوا حياتهم الخاصة. فجأة، يشعر الرجل بأنه بلا دور، وبلا أهمية في حياة من حوله.
وتزداد حدة الأزمة إن كان الرجل يعاني من أمراض مزمنة، حتى وإن لم تكن خطيرة. فهي تقيّده نفسيًا وجسديًا، وتجعله يشعر بالضعف وفقدان السيطرة على حياته.
فكيف يمكن الخروج من هذه المرحلة؟ وكيف يمكن تحويلها من أزمة إلى فرصة؟
- تقبل التغيير: أول خطوة هي الاعتراف بأن هذه المرحلة طبيعية، وأنها لا تعني نهاية الحياة، بل بداية فصل جديد منها.
- وضع أهداف جديدة: قد لا تكون أهدافًا مهنية، لكن يمكن أن تكون أهدافًا شخصية، كتعلم مهارة جديدة، أو قراءة عدد من الكتب، أو السفر إلى أماكن لم تُزر من قبل.
- ممارسة النشاط البدني: الرياضة اليومية، حتى لو كانت بسيطة مثل المشي، تُحسن المزاج، وتنشط الدورة الدموية، وتقلل من تأثير الأمراض المزمنة.
- الاندماج الاجتماعي: لا بد من البقاء على تواصل مع الأصدقاء، أو الانضمام إلى نوادٍ اجتماعية أو تطوعية. العلاقات الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الشعور بالانتماء والقيمة.
- العودة إلى الأصدقاء القدامى: من أنجح وسائل تخفيف شعور الوحدة والفراغ في هذه المرحلة، العودة إلى الأصدقاء وزملاء الطفولة والشباب. هؤلاء الأشخاص يملكون ذاكرة مشتركة، وفهمًا عميقًا للشخص دون الحاجة لشرح طويل. تكوين مجموعة دعم صغيرة من الأصدقاء القدامى، يُمكن أن يخلق جوًا مريحًا مليئًا بالذكريات والضحك والتفاهم. يمكن الاجتماع دوريًا في لقاءات بسيطة – سواء على فنجان قهوة أو نزهات قصيرة – لمشاركة اليوميات، والنقاش في مواضيع الحياة، أو حتى لمجرد التسلية.
وللمحافظة على هذه المجموعات، يُفضل وضع نظام لقاء دوري، واستخدام تطبيقات التواصل كوسيلة دائمة للبقاء على اتصال. كما يُستحسن أن يكون هناك “منسق” للمجموعة يشجع على اللقاءات، ويطرح أفكارًا للنشاطات المشتركة، لضمان استمرارية العلاقة وديناميكيتها. - دعم العائلة: من المهم أن تدرك العائلة – وخاصة الزوجة – أن الرجل في هذه المرحلة بحاجة إلى احتواء وتقدير، كما كانت هي بحاجة لذلك في مراحلها الصعبة.
- الاهتمام بالنفس: سواء عبر تحسين المظهر، أو الاهتمام بالهوايات القديمة التي تم نسيانها، أو حتى خوض تجارب جديدة.
في النهاية، أزمة منتصف العمر ليست نهاية الطريق، بل هي وقفة لإعادة التوازن.
قد تكون هذه المرحلة فرصة ذهبية للتقرب من النفس، لإعادة بناء العلاقات، ولعيش حياة مختلفة وأكثر هدوءًا وعمقًا.
الرجل الذي ينجح في تجاوز هذه المرحلة، هو من يستطيع أن يرى فيها بداية جديدة، لا نهاية.