أقلام حرة

بين الفكر واثر الفراشة والتغيير..

إبراهيم أبو حويله …

ابدع محمود دوريش حين قال: اثر الفراشة لا يرى، اثر الفراشة لا يزول.

هل هي هكذا محصلة الجهود المبذولة من الأفراد في سبيل الفكرة، سواء كانت هذه الجهود حركة او فكرا او مالا، تشكل محصلة تتجمع فيها هذه القوى.

وهنا يبدع الشابي حين يقول: إذا الشعب يوما اراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر.

يقع الإحتلال بأعداد قليلة من الجند، ومن الممكن دفعه بتضحيات تعد نسبيا قليلة مقارنة بالواقع بعد الإحتلال، وكلما مضى الزمن تكبر التضحية التي يجب تقديمها بعد ذلك للخلاص منه، فهو قد وطن نفسه ونشر قواعده وثبت وبنى وأعد وجهز جنده، لإدامة هذا الإحتلال لأطول فترة ممكنه، وستصبح فاتورة التخلص منه باهضة في الأرض والمال والإنسان،

لقد واجه العالم الإسلامي ما بعد الإستعمار معضلة الوعي وإسترداد الوعي، والفوضى والصدمة من عالم الأشياء والأفكار، لا بد من فكر وتحليل وبحث حتى تنهض هذه الأمة من كبوتها، ولكن يبدو أن أي أمة حتى تنهض يجب أن يكون البعض للكل والكل للكل او كما يحدث دائما المعظم للكل.

والتضحية من الفرد للجماعة والتضحية من الجماعة في سبيل الجماعة، وإلا لن تكون للجماعة وسيلة للنهوض والتطور، كل باحث في الإنسانيات والتاريخ وعلم الإجتماع يدرك أن التضحية هي وسيلة النهوض بأي أمة من تلك المقدمة..

المطلع على المقدمة الثابتة والصفحة الناصعة من التاريخ، وهي المقدمة لإبن خلدون وحتى يومنا هذا يدرك تلك المعاني، منذ تلك اللحظة التي قرر فيها الرومان تشكيل جيش وتدريبه وصرفوا الأموال والعدة والعتاد في تجهيزه، حتى يكون وسيلة حماية لهذه الحضارة، ثم بعد ذلك يصبح نواة إحتلال وإستعباد للغير، ولن يقوم الجيش إلا إذا ضحت فئة بالأموال والأنفس في سبيل هذا الهدف .

هي معركة الوعي كما يقول مالك، يجب أن ندرك أن كل تضحية هنا في هذه المعركة هي تضحية في مكانها، نعم هي ألم بشري وفقد لحبيب أو خسارة في وطن، ولكنها في سبيل الله وفي سبيل تحرير هذا الوطن لإهله من هذا المغتصب، هي معركة وعي يريد فيها العدو خلق واقع تصبح فيه الحرية شبه مستحيلة وذات ثمن باهض.

هي معركة وعي يريد فيها العدو أن يخلق في اللاوعي للذي وقع عليه الإحتلال، بأن لا سبيل للتخلص من هذا الإحتلال، وهي معركة وعي يدفع فيها الشعب الذي وقع عليه الاحتلال، بكل قوة وقدرة وتضحية في سبيل حريته، وفي سبيل التخلص من هذا الواقع الأليم.

نعم هنا يختلف الوضع مع هذا الإحتلال، لأن هناك قوى عالمية تريد هذا الإحتلال وتسعى بكل السبل لبقائه وهي مستفيدة منه، وتريده لإسباب سياسية وإستراتيجية مختلفة، ولست مع أن الكيان هو الذي يسخر هذه القوى لصالحه، ولكني أجد نفسي منسجما مع النتيجة التي وصل إليها الباحث عبد الوهاب المسيري، بأن الغرب هو من يوظف هذا الكيان لمصالحه، ولذلك هو مستعد للدفاع عنه بكل السبل المادية والعسكرية والمعنوية.

نحن إذا الأن نعيش في حالة فوضى ما بعد الإستعمار، وهذه الفوضى يريدها الغرب ويسعى لها، وهي هدف بحد ذاتها، لأن الخروج منها أو التفكير فيها، أو البحث في السبل المؤدية للخروج منها وتحديدها وتحديد أسبابها.

كل ذلك في الحقيقة يعتبر محرما بالنسبة للقوى الغربية، ويسعى بكل السبل لإيقاع الفرقة والإبتعاد عن الفاعلية والإنخراط فيما لا فائدة منه، ويخلق مشكلات ومعضلات وتحديات هنا وهناك في سبيل ذلك.

ولا إستبعد أن يكون دور بعض المنظمات الدولية، منخرطا في هذا التوجه بعلم منه أو بدون علم، بحيث ننخرط في قضايا حقوق الطفل والمرأة والميم والسين والصاد، وكل هذه في الحقيقة ليست مشكلة في العالم الإسلامي، ولا تشكل ظاهرة ولا تحتاج كل هذا الجهد.

ولكنه برأيي جزء من خلق فوضى متعمد، يهدف إلى إبعادك عن الفهم الحقيقي للمشكلة، التي خلقتها الدول الغربية في هذا الجزء من العالم، وترعاها وتساهم في وجودها، ولا تريد السعي في حلها، مع أن الحل معروف وممكن ، ولكنه جزء من الخطة الممنهجة، التي تتعامل معنا فيها المراكز البحثية في العالم الغربي مثل رند وغيرها.

وما قام به هنري كسينجر وأمثاله، يصب في الحقيقة في هذا الهدف، ولذلك أجد أن هذا الباحث وأمثاله، هم في الحقيقة عرابي الشيطنة لهذه الجماعة وسبب من أسباب إنحرافها، بدل أن تسعى لتصويب حركتها في الحياة .

نحن نعيش فوضى وحالة من الصدمة في عالم الأفكار والأشياء، والصدمة هنا هي في الحقيقة في فقد الفاعلية.

والإنخراط في الفعل بدل التفكير والتحليل للوصول إلى رد الفعل المناسب في التعامل مع الحدث، وأن تكديس هذا الإسلحة التي أنفقت عليها الأمة مئات المليارات، لم تساهم في خلق الفاعلية في الأمة، ولا الخروج من حالة الصدمة التي نعيشها، ولا السعي للكف عن تكديس الأشياء، والتي أتضح أن تكديسها هو بلا طائل بل يخدم هدف الغرب في تمويل مشاريعه وتطوير أسلحته.

ونحن من يمول هذه المشاريع بشراء وتكديس كل هذه الأشياء، والتي يعتبر الكثير منها مجرد أشياء بلا فائدة حقيقية للأمة، إن الصدمة التي خلقها الطوفان، ساهمت في أن يفكر كل واحد منا بما يقوم به، وبالطريقة التي يجب عليه أن يتفاعل بها مع الأحداث، وجعلته يسعى لأن يحاول أن يفهم.

وأدرك ولو بشكل غير تفصيلي جزء كبيرا مما تعاني منه الأمة من أمراض، ويحاول بكل السبل أن يفهم هذه النقاط المتناثرة، ويضع الخط المناسب الذي يجمع بينها، وأدرك أن التفكير السليم والسعي الدؤوب، مع قليل من الإمكانيات، من الممكن أن تصنع ما يعتبر مستحيلا.

وأن المستحيل لم يعد مستحيلا، وأدرك أن الغرب والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، من الممكن أن يتم إلحاق الضرر به والتسبب له بالخسارة، ومن الممكن بعد ذلك هزيمته وتقديم مصالح الأمة وأولوياتها، وان كل مواطن يستطيع التأثير بشكل بسيط نعم، ولكن لأن هذه الأمة ممتدة فهذا التأثير يمكن أن يحقق أهدافا ولو بد حين.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!