
حين تدوي القاذفات الأمريكية فوق فوردو ، نطنز و أصفهان … من بقي في ميدان النار ؟
د. نعيم الملكاوي
الضربة الأمريكية تغيّر قواعد الاشتباك وتُشعل الجغرافيا من طهران حتى باب المندب … طهران تبحث عن الحلفاء والدروب المشتعلة .
في صباح 22 حزيران/يونيو، تغيّر مشهد الشرق الأوسط بنحو دراماتيكي . قاذفات أمريكية شنت ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت نووية إيرانية في فوردو، نطنز، وأصفهان، لتدخل واشنطن رسمياً على خط الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران . وبينما تنهمك طهران في حسابات الرد ، يطرح الواقع سؤالاً وجودياً:
من بقي في ميدان النار ؟
ومن يمكنه تحريك رقعة المواجهة في لحظة تبدّل قواعد الاشتباك ؟
من وجهة نظر تحليل سياسي ميداني نخلص الى :
- تحييد الحليف التقليدي : دمشق خارج اللعبة مع الانهيار الأمني والاقتصادي الذي تعيشه البلاد ، أصبحت سوريا منصة غير فاعلة في الردع أو المناورة . النظام الذي كان يعوّل عليه كممر استراتيجي أو واجهة لتهديد إسرائيل ، بات منشغلاً بالبقاء ، لا بالصراع الإقليمي .
- حزب الله : بين النفير الصامت والتريث المدروس لا تزال المقاومة اللبنانية في حالة ترقب ، رغم الشعارات الحماسية التي تطلق بين الفينة والاخرى . الحزب يُدرك أن أي تدخل مباشر الآن قد يفتح جبهة تدميرية على لبنان في توقيت داخلي كارثي . ومع ذلك ، تبقى أوراقه محفوظة ، بانتظار لحظة قد تُفرض فيها اللعبة الإقليمية عليه ، لا باختياره .
- الحوثيون يدخلون الحلبة من بوابة السماء والبحر بعكس حلفاء طهران الآخرين ، يبدو أن الحوثيين في اليمن باتوا الأقرب إلى الحركة الفعلية . فبحسب المعلومات الأولية ، بدأت الميليشيات الحوثية بإرسال طائرات مسيّرة تجاه أهداف في جنوب إسرائيل ، في ما قد يكون تمهيداً لتصعيد أوسع ، يشمل تهديد الملاحة الدولية في باب المندب وبحر العرب ، وربما يصل إلى استهداف سفن تجارية غربية ، كما حصل في فترات سابقة .
- مضيق هرمز … الفارس يلوّح بالسيف في خضم التوتر ، تُرجّح مصادر دبلوماسية أن تلجأ طهران إلى تفعيل قوتها البحرية في مضيق هرمز والخليج العربي ، وهو التهديد الأشد وقعاً على الأسواق العالمية . إغلاق المضيق – أو حتى التهديد بإغلاقه – سيكون بمثابة إعلان حرب اقتصادية تطال العالم كله . وهنا تعود إيران إلى لعب ورقة ” التحكم بالشريان النفطي العالمي “، التي لم تُفعّل منذ سنوات.
- الموقف الدولي : صمت ثقيل وتريث استراتيجي في مقابل الهجوم الأمريكي ، تبدي روسيا والصين حذراً تكتيكياً . لم تُصدر موسكو بياناً حاسماً، رغم علاقتها بإيران ، فيما تكتفي بكين بالدعوة إلى التهدئة . أما أوروبا ، فتعاني ارتباكاً دبلوماسياً واضحاً بين التحذير من التصعيد ، وتفهم موقف واشنطن . دول الخليج تتابع بصمت قلق ، وستسارع إلى تعزيز استعداداتها الدفاعية .
- إيران : عزلة نارية وخيارات محدودة أمام هذا المشهد ، تجد طهران نفسها في زاوية حرجة . فإما أن ترد بشكل مباشر ، وتجازف بحرب شاملة ، أو تتّبع استراتيجية الرد غير المباشر ، عبر الوكلاء. لكن أي تأخير في الرد سيُضعف موقعها داخلياً ويُظهرها بمظهر العاجز أمام خصومها .
فجميع السيناريوهات المطروحة متاحة ومباحة :
- تصعيد بحري ومسيّرات عبر وكلاء إيران ( الحوثيون نموذجاً ) ، مع توسيع نطاق العمليات من باب المندب إلى حيفا.
- استهداف أمريكي مضاد لأي تحرك إيراني مباشر ضد مصالح واشنطن ، ما قد يشعل نزاعاً مفتوحاً.
- عودة إلى طاولة المفاوضات عبر قنوات خلفية ، إذا ما قُدّم لإيران مخرج دبلوماسي يُنقذ ماء الوجه.
- دخول لاعبين إقليميين جدد، إذا طالت المعركة وتحوّلت إلى حرب استنزاف .
في هذا الصباح ، أضاءت القاذفات سماء إيران بنار غير تقليدية . الحلفاء في جبهات متباعدة ، والخصوم يزدادون جرأة . بين مضيق هرمز وباب المندب ، وبين فوردو وبحر العرب ، قد تتحول الجغرافيا كلها إلى حقل اشتباك مفتوح .
السؤال الآن ليس من سيُطلق الرصاصة القادمة… بل من سيتحمّل دويّها في زمن لم يعد فيه الصمت خياراً .