أقلام حرة

الشلبي يكتب.. التعاونيات: حلول شمولية أكثر نماءً وإستدامةً نحو عالم أفضل

عبد الفتاح الشلبي

يأتي الاحتفال باليوم الدولي للتعاونيات في أول يوم سبتٍ من شهر تموزٍ لهذا العام مختلفاً عن الأعوامِ السابقة في التأكيد على الدور القيادي والريادي لهذه الكيانات الاقتصادية- الاجتماعية في اجتراح حلولٍ شموليةٍ أكثر منعةً ونماءً وإستدامةً للمساهمة في بناء عالمٍ أفضلٍ للمجتمعات المستفيديةِ من أنشطتها والحاضنةِ لمشاريعها التنموية على شتى الصُعدِ.
جوهر الإختلاف أن اليوم الدولي للتعاونيات تحت شعار (التعاونيات: قيادة الحلول الشاملة والمستدامة لعالم أفضل) (Cooperatives: Driving Inclusive and Sustainable Solutions for a Better World) ، هذا العام، يستظل بإعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة، العام 2025 السنة الدولية للتعاونيات، لِما لتلك الروابط المجتمعية ذات الأبعاد الاقتصادية من إسهاماتٍ في تعزيز مشاركة الأفراد والمجتمعات المحلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة، وبالتالي توفير سُبل العيش الكريم لهم، والعمل اللائق والمساوة بين الجنسين، وتعزيز العدالة بين الجميع، والقضاء على الفقر والجوع؛ التزاماً منها في تحقيق جملةٍ من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة الـ(17) (SDGs).
وباعتبار التعاونيات مؤسساتٍ مملوكةٍ من الأعضاء الذين يلتقون طواعيةً على إقامة مشروعهم الخاص بهم ضمن إطارٍ مجتمعي مبني على مبادئ وقيم اجتماعية تُعزز فيهم روح التضامن والمسؤولية، ومن ثم قيامهم بإنتخاب قيادتها بشكل ديمقراطي، فإنها بذلك تقدم نموذجاً تنموياً في مجالات الزراعة، والتصنيع الغذائي، والإسكان، والسياحة، والمنفعة المتبادلة (العائلية)، والحرف المهنية، والطاقة، والعمالية، وغيرها، وتثبت قدرتها على أن تكون حاضنةً للابتكار والإبداع وفق معايير تضمن الإستدامة، وتُراعي مبادئ المشاركة والشمولية في صنع القرار، إضافةً إلى دعم البيئة الحاضنة لريادة الأعمال على صعيد العمل التعاوني.
وبطبيعة الحال، إن تعزيز الأدوار التنموية للتعاونيات ليس ببعيدٍ عن خلق وايجاد بيئةٍ تشريعيةٍ مواتيةٍ لذلك، وتأطير سياساتٍ قانونيةٍ؛ لإرساء قواعد وأسسٍ تنظيميةٍ مستقرةٍ ومرنةٍ في ذات الوقت، تنهض بالعمل التعاوني، وتقود إلى إزدهار التعاونيات ونمائها، اقتصادياً، واجتماعياً، ناهيك عن بعث روح القيادة في صفوف الأعضاء التعاونيين لإنجاز مشاريعهم وتحقيق تطلعاتهم؛ استناداً إلى تصوراتٍ إبداعيةٍ محددة الأهداف والنتائج وفق خططٍ عمليةٍ قابلةٍ للتنفيذ ضمن مساراتٍ زمنيةٍ معلومةٍ، ومن خلال استقطاب فئتي الشباب والنساء للانخراط في الحركة التعاونية، وتوسيع دائرة مشاركتهم الاقتصادية إنسجاماً مع المحددات العالمية في هذا السياق.
محلياً، تحظى التعاونيات باهتمام صاحب القرار جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، والذي لم يتوانَ عن تقديم الدعم لها من خلال إدارة المبادرات الملكية في الديوان الملكي الهاشمي العامر، وتحديداً التعاونيات الزراعية، في مناطق البادية والأطراف؛ لدورها في تعزيز منظومة الأمن الغذائي والمائي واعتماد مبادئ الزراعة الذكية والحديثة، الأمر الذي شكلَّ حافزاً للقائمين عليها ليجعلوا منها قصة نجاحٍ يشار إليها بالبنان، ومصدر إلهاماً لإستنهاض الهمم نحو الإقبال على العمل التعاوني البناء والمستدام، والمتوافق مع متطلبات الحركة التعاونية العالمية.
هذا الدعم الملكي الذي تكلل بمنح (6) تعاونياتٍ ميدالية اليوبيل الفضي كان موصولاً برعايةٍ حكوميةٍ لاستقطاب الدعم من الجهات المانحة، الهيئات والمنظمات الدولية، ومن المؤسسات المحلية على حدّ سواء، إيماناً من مجلس الوزراء بدور التعاونيات في التنمية المستدامة الشاملة، وباعتبارها رديفاً للقطاعين العام والخاص، قادراً على توفير فرص العمل، ومصدر دخل للأعضاء التعاونيين، وأبناء المجتمعات المحلية.
كما وأن الحكومة برئاسة الدكتور جعفر حسان الذي زار العديد من التعاونيات، أكدت في خطاب الثقة أمام مجلس النواب، أهمية القطاع التعاوني في العملية التنموية، وتعزيز دور التعاونيات المجتمعي، خاصةٍ بين الشباب والنساء لغايات التمكين الاقتصادي، جنباً إلى جنب ضروة تحديث التشريعات الناظمة للعمل التعاوني لتأسيس ذراعٍ مالي لدعم التعاونيات (صندوق التنمية التعاوني)، وآخر تدريبي (معهد التنمية التعاوني) لبناء وتعزيز قدرات الأعضاء، وكوادر المؤسسة وفقاً لمناهج تدريبٍ دوليةٍ معتمدةٍ من قبل منظمة العمل الدولية (ILO)، وبرامج تدريبيةٍ تعاونيةٍ مختلفةٍ مُصمةٍ للأنشطة الاقتصادية التي تعمل بها التعاونيات.
وكأحد مخرجات الاستراتيجية الوطنية للحركة التعاونية الأردنية (2021-2025)، التزمت المؤسسة التعاونية الأردنية بالتوجيهات الملكية نبراساً، وبتوجهات الحكومة دليلاً لإعداد قانون تعاون جديد، عُرِف في أعقاب صدوره عن الحكومة بعد توشيحه بالإرادة الملكية السامية الشهر الماضي بقانون التعاونيات رقم (13) لسنة 2025، والذي جاء متوافقاً مع مبادئ وقيم التعاون العالمية، وتوصية منظمة العمل الدولية رقم (193) بشأن تعزيز دور التعاونيات.
ومما لا شك فيه بات هذا القانون يُمثل إنطلاقة جديدة للحركة التعاونية الأردنية، والقطاع التعاوني نحو تعزيز الدور التنموي للتعاونيات، الاقتصادي والاجتماعي، وتحفيز النمو في المجتمع، وتوسيع المشاركة المجتمعية في العمل التعاوني لجهة تمكين الشباب والنساء، والأشخاص ذوي الإعاقة من التأسيس أو الإنضمام إلى التعاونيات، فضلاً عن تمثيل المرأة في عضوية مجلس إدارة المؤسسة التعاونية عبر تخصيص (3) مقاعد لممثلاتٍ عن الحركة النسوية التعاونية، والسماح للتعاونيات غير الأردنية بإفتتاح فروع لها في الأردن لممارسة نشاطها التعاوني بناءً على شروطٍ حددها القانون، والاستفادة من تبادل الخبرات تطبيقاً لأحد مبادئ التعاون العالمية السبعة وهو التعاون بين التعاونيات سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي؛ بهدف تعزيز الحركة التعاونية وتحقيق أهدافها المشتركة.
وينتهج القانون في مساعيه إلى تعزيز الشفافية والحوكمة والرقابة على التعاونيات منهجاً معززاً لدور المؤسسة التعاونية في هذا المضمار عبر منحها صلاحيات أوسع في المتابعة والرقابة على أنشطة التعاونيات، إضافة إلى تدريب أعضاء لجان الإدارة والرقابة على الأسس والضوابط المرتبطة بتلك المفاهيم وآليات تطبيقها؛ لضمان استدامتها واستقلاليتها وقدرتها على الرقابة والتدقيق المالي.
وبمناسبة السنة الدولية للتعاونيات 2025، أطلق الأردن العديد من الفعاليات التعاونية في محافظات المملكة، توزعت بين عقد ورش توعوية لنشر الثقافة والفكر التعاوني بين النشء في المدارس وطلبة الجامعات، وتنفيذ مبادرات تطوعية منها (شاطئ أجمل) لتنظيف شاطئ مدينة العقبة، وأخرى (إحياء الطبيعة) لزراعة الأشجار الحرجية في منطقة حوض الديسة، إضافة إلى إصدار طابعٍ بريدي خاصٍ بالسنة الدولية للتعاونيات؛ احتفالاً بهذه المناسبةِ الأُممية.
وعلى صعيد المشاركة ضمن الأطر الدولية الناظمة لمسار الحركة التعاونية العالمية، انضمت المؤسسة التعاونية الأردنية بصفتها الممثل الرسمي للتعاونيات في المحافل الإقليمية والدولية إلى التحالف التعاوني الدولي (ICA)، ولعضوية عددٍ من اللجان المنبثقة عن هذا التحالف إلى جانب ممثلين عن التعاونيات مثل لجان (المرأة)، و(الشباب)، (التجارة والأعمال)، و(الزراعة والبيئة)، و(التعاونيات الاستهلاكية)، و(الإئتمان والخدمات المصرفية)، و(الموارد البشرية)، ناهيك عن شغل المؤسسة التعاونية الأردنية ممثلةً بمديرها العام لموقع نائب رئيس الاتحاد التعاوني العربي، ومقره العاصمة المصرية القاهرة.
وتوسعت المؤسسة إلى جانب التعاونيات في تعزيز حضورها الدولي من خلال المشاركة في المؤتمرات والورش ذات العلاقة بالحركة التعاونية سواء على صعيد دول الإقليم أو العالم على حدّ سواء، مستعرضةً تجربة الأردن في العمل التعاوني باعتباره أنموذجاً للنجاح في هذا المجال، وفي الوقت ذاته ملهماً على مستوى القيادة والتعلم للأعضاء التعاونيين عبر دوراتٍ تدريبيةٍ متخصصةٍ عقدتها المؤسسة أو ساعدت التعاونيات على المشاركة فيها على المستويين الداخلي والخارجي بُغية الاستفادة منها لتكون قادرةً على تحقيق الإنجازات والنجاحات الناصعة.
ولم تتوقف جهود المؤسسة التعاونية دوليا عند ذلك، إذ حظي مطلبها من التحالف التعاوني الدولي (ICA) باعتماد اللغة العربية في اجتماعاته كلغة رسمية بالقبول، إلى جانب تكليف المؤسسة بمخاطبة الدول العربية من غير الأعضاء للإنضمام إلى التحالف بشكل أوسع.
بهذه الخطوات الإجرائية، يمكننا القول إن للأردن بصماتٍ واضحةٍ على الخارطة العالمية في خضم الاحتفال بالسنة الدولية للتعاونيات 2025، واليوم الدولي للتعاونيات، والتي بطبيعتها تُعزز من مكانته على المستويين الإقليمي والعالمي، وتبرز إنجازاته في تطوير وتحديث منظومة العمل التعاوني بالصورة المُثلى والمنسجمةِ قطعاً من المتغيرات والمعايير الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى