فلسطين

مسنو غزة.. معاناة متفاقمة تحت وطأة النزوح والجوع وغياب الرعاية

الشاهين الاخباري
“تركتُ أدويتي في البيت، ونسيتُ أخذها معي، من هول ما رأينا، ولم أعد قادرة على العودة أو إرسال أحد من أبنائي لجلبها، خوفًا عليه، فلا ندري هل ما زال البيت على حاله حين تركناه أم سويّ بالأرض”.
بهذه الكلمات لخصّت الحاجة معينة بدرة معاناتها وسط سعير الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.
تقول بدرة (75 عامًا) لوكالة “صفا”: “إنها تعاني من مرض السكري والضغط وتحتاج لأخذ العلاج بشكل منتظم، لأن سُكرها لا ينخفض مخزونه عن 400، وضغطها مرتفع دائمًا”.
وتضيف “لم يكن المرض شيئًا أشغل بالي به قبل الحرب، لأن الالتزام بالأدوية واتباع تعليمات الطبيب كان أقسى ما يجب أن أفعله، أما الآن فلم تعد الأدوية متوفرة، واوضاع المستشفيات كارثية”.
ويُسبب استمرار إغلاق المعابر وتشديد الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ مطلع آذار/ مارس الماضي، آثارًا مدمرة وطويلة الأمد، تطال بشكل خاص الفئات الأكثر هشاشة، في ظل سياسة منهجية تقوم على تدمير مقومات الحياة والقضاء على أي بدائل ممكنة للبقاء.
معاناة متفاقمة
وما يزيد معاناة المسنة بدرة النزوح المتكرر، فتقول: “كلما استقّر بنا الحال، يتم قصف المكان الذي نعيش فيه، فنهرب من جديد، على غير هدى.. أين ستؤول أحوالنا من جديد”.
ولم تعد بدرة، التي تقطن في خيمة داخل أحد مراكز النزوح في مدينة غزة، قادرة على السير والنزوح مرة أخرى.
تقول وعلامات التعب تبدو على وجهها: “دائمًا ما أُخبر عائلتي بأن منطقة غرب غزة ستكون مكانًا لدفني شهيدة إن لم أعد إلى مخيم جباليا، لأني لا أمتلك عكازًا أستند عليه وقت تنقلي، ولن أكون عبئًا على أبنائي وأحفادي”.
ولا يقف الأمر عند الحاجة بدرة، فحسب، بل يعيش آلاف المسنيين في قطاع غزة أوضاعًا إنسانية ومأساوية داهل الخيام ومراكز الإيواء، يفتقدون للحد الأدنى من الرعاية الصحية والغذاء المناسب.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع منذ نحو 21 شهرًا، يواجه كبار السن في غزة أزمات متتالية، فباتوا ضحيةً للقصف الذي لا يتوقف، والنزوح المتكرر، وفقدان الدواء والغذاء، في ظل مجاعة أزهقت حياة كثيرين.
وما يُفاقم معاناة كبار السن، الذين يقدر عددهم بـ107 آلاف شخص، أي ما نسبته 5% من مجموع سكان القطاع، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة منهم، خروج مشافي القطاع عن الخدمة، والشح الكبير في الأدوية والمشلتزمات الطبية، مما يُعرض حياة غالبيتهم للخطر.
مأساة النزوح
ويقول المواطن خليل شحادة: إن “والده البالغ من العمر (85 عامًا) يعاني الأمرين، بسبب نقص الغذاء والدواء، حتى أصبح جسده نحيلًا لا يقوى على السير ويحتاج لكرسي متحرك للتنقل، في ظل استمرار النزوح، خاصة بعد قصف الاحتلال منزلهم في جباليا”.
ويضيف شحادة لوكالة “صفا”، “أحاول توفير احتياجاته بقدر استطاعتي، لكن لا طعام مناسب والمتوفر تكون أسعاره فلكية، لا أقوى على توفيرها وشرائها يوميًا”.
ويتابع “في كثير من الأحيان أُوفر وجبتي والاكتفاء بوجبة واحدة حتى أحتفظ برغيف الخبز لوالدي، حينما يجوع يجده، كي يسد به رمقه”.
ويوضح أن والده يحتاج لأدوية ضغط وروماتيزم وسكري، منذ ما يقارب الشهرين لم يأخذ منها شيئًا، بسبب نفادها من المشافي والمستوصفات الطبية.
ويشير إلى أن والده بات يرفض تناول الطعام المقدم له، متأففًا من تكراره دومًا، حتى أصبح يعاني من الجفاف وسوء التغذية.
ويواجه المواطنون نقصًا حادًا في الغذاء والماء والدواء، في ظل انتشار المجاعة وانهيار المنظومة الصحية بالكامل وعجز تام عن توفير أبسط أشكال الرعاية، ما أدّى إلى تفاقم الحالات الصحية الحرجة، لا سيّما لدى كبار السن والمرضى، وتركهم يواجهون الموت في عزلة تامة عن العالم.
وفي تقرير نشره سابقًا، ذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن نحو 4% من ضحايا حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة من المسنين.
ونوّه إلى أنّ عددًا متزايدًا من كبار السن والأطفال والمرضى يلقون حتفهم نتيجة مباشرة لانعدام الرعاية الصحية وسوء التغذية والجوع، في ظلّ انهيارٍ منهجي للقطاع الصحي بفعل الحصار.
ودفع المسنون ثمنًا باهظًا للهجوم الإسرائيلي، نتيجة هشاشة حالتهم وعدم قدرتهم على الحركة، إلى جانب إصابة 70% منهم بأمراض مزمنة جعلتهم عرضة بشكل أكبر للتأثر بتداعيات الاعتداءات الإسرائيلية والوضع الإنساني المتردي. وفق الأورومتوسطي

صفا

زر الذهاب إلى الأعلى