
” قطع الشريان الحيوي “
مهند أبو فلاح
الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الشقيقة سورية التي تمت في الآونة الأخيرة و محاولة فرض منطقة منزوعة السلاح في أقصى جنوبي هذا القطر العربي الاصيل استحوذت على اهتمام شريحة كبيرة من الخبراء و المختصين في شؤون هذه الدولة المركزية في خارطة الأحداث الشرق أوسطية إن جاز التعبير .
لقد سعت العصابات الصهيونية منذ أمدٍ بعيد إلى قطع خطوط التواصل الاستراتيجية بين سورية و فلسطين و الحيلولة دون تدفق الثوار و الأسلحة على تلك الأخيرة انطلاقا من الكيان السياسي الأكبر في بلاد الشام و ظهر ذلك واضحا و جليا من خلال الزيارات المتكررة التي قام بها رئيس جهاز هاشاي استخبارات الهاجانا إلياهو بن ساسون إلى دمشق الفيحاء في ثلاثينات القرن الماضي حيث نسج علاقة قوية متينة مع القنصل البريطاني العام فيها السير جيلبرت ماكيرث و تطورت إلى تعاون استخباراتي وثيق في أعقاب الثورة الكبرى التي شهدتها فلسطين في العام 1936 و التي استغرقت ثلاثة أعوام .
كانت الثورة في فلسطين ضد سلطات الانتداب البريطاني و حركة الاستيطان الصهيوني شعبية عارمة و عنيفة مسلحة في ذات الوقت و كان الثوار المجاهدون يتدفقون على فلسطين من سائر أنحاء الوطن العربي الكبير و خاصة من سورية المجاورة ذلك أن مشعل شرارة الكفاح المسلح في فلسطين ضد الإمبريالية البريطانية و الحركة الصهيونية الاستعمارية لم يكن إلا الشيخ عز الدين القسّام السوري الأصل الذي قضى نحبه في شهر تشرين ثاني / نوفمبر 1935 ، لذا لم يكن مستغربا ان يلعب كل من الشهيد القائد سعيد العاص الذي قضى نحبه في معركة الخضر قرب بيت لحم على طريق القدس – الخليل في تشرين الاول / اكتوبر من العام 1936 و هو مواطن عربي سوري ناهيك عن فوزي القاوقجي مواطنه دورا مركزيا محوريا في هذه الثورة المجيدة .
أدرك الصهاينة كما القوى الإمبريالية الغربية أهمية سورية في حسابات القوى الثورية الفلسطينية و خاصة بعدما اتخذ سماحة مفتي فلسطين رئيس اللجنة العربية العليا الحاج أمين الحسيني من دمشق مقرا له إضافة إلى تحول هذه الفيحاء إلى منطلقٍ لعمليات الدعم اللوجيستي لكبار الزعماء الميدانيين من الفلاحين الأشداء صعبي المراس و على رأسهم عبد الرحيم الحاج محمد ” ابو كمال ” أبرز زعماء الثورة بين أوساط هؤلاء و المتحدر من قرية ذنابة شمالي طولكرم .
على أية حال فإن قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 29 تشرين الثاني / نوفمبر من العام 1947و الحامل للرقم 181 أضفى صبغة دولية أممية على محاولة قطع الشريان الحيوي بين فلسطين و سورية من خلال جعل الجليل الشرقي برمته جزءًا من الدولة اليهودية رغم عروبة مدنه الرئيسة و قراها المتاخمة لسورية كصفد و بيسان و طبريا و كان الأمر مريبا حقا !!!!! فاغلب متطوعي جيش الإنقاذ الذي تم تشكيله من قبل جامعة الدول العربية في أعقاب صدور هذا القرار المشؤوم كانوا اصلا من سورية و على رأسهم المجاهد فوزي القاوقجي نفسه ناهيك عن بعض رؤساء سورية لاحقا كأديب الشيشكلي و سامي الحناوي و زعماء حزب البعث و مؤسسيه الأساتذة احمد ميشيل عفلق و صلاح الدين البيطار و أكرم الحوراني الخ ……….
لاحقا و في ستينيات القرن الماضي انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة من الأراضي السورية في عهد الرئيس محمد أمين الحافظ حيث حظيت بدعم لا محدود من لدن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي وفر قواعد و معسكرات التدريب لرجال المقاومة الفلسطينية في العديد من ضواحي العاصمة السورية دمشق كميسلون و الهامة و حرستا و تمددت انطلاقا منها إلى الجوار العربي رويداً رويداً قبل أن يقدم حكام تل أبيب على احتلال هضبة الجولان في حرب حزيران يونيو من العام 1967 و التي شكلت على الدوام قلب بلاد الشام النابض من الناحية الجغرافية .
على ضوء ما تقدم فقد سعى حكام تل أبيب جاهدين إلى إخراج القطر العربي السوري من معادلة الصراع مع كيانهم الغاصب و هم اليوم يحاولون فرض و تسويق الاتفاقيات الإبراهيمية على حكام دمشق الجدد بالاشتراك مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشرعنة التنازل عن اجزاء حيوية من الأراضي السورية المحتلة لتأمين أمن الدويلة العبرية المسخ على نحو يهدد فرص تحرير فلسطين بالتلاشي على النحو المنظور مما يستدعي تمتين الجبهة الداخلية السورية و تعزيز الوحدة الوطنية هناك و تقديم الدعم اللازم الدولة السورية في بسيط سيادتها على كافة أراضيها