
مصر وفلسطين: بين صوت العروبة وصمت المتاجرين
كتبت: رزان عبدالهادي
في زمنٍ تكاد فيه الأصوات الصادقة تُغرقها فوضى الضجيج، تبقى مصر راسخة في وجدان الأمة، تؤدي دورها القومي تجاه القضية الفلسطينية بهدوء الكبار لا بضجيج الشعارات. فبينما تنهمر القذائف على غزة، وتنزف الأرض صمتًا، يختار البعض أن يوجّه سهامه لا إلى الاحتلال، بل إلى مصر. مشهدٌ لا يُثير الغضب فقط، بل يُجبرنا على الوقوف والسؤال: متى صار الدفاع عن الكرامة جريمة؟ ومتى تحوّل الخطأ إلى أن نكون مع الحق؟
مصر التي دفعت من دمها وشعبها ثمنًا لهذه القضية عبر عقود، لا تحتاج شهادات حسن سلوك من جماعات تتغذى على الفوضى، ولا من أصوات تبحث عن مشهد بطولي مزيف على حساب المصلحة الوطنية والقومية. وما نشهده اليوم من محاولات لتشويه دورها في معبر رفح، أو التقليل من جهودها في إدخال المساعدات، ونقل الجرحى، والتوسط لوقف إطلاق النار، هو امتداد لموجة منظمة تتقاطع – بوعي أو بدون وعي – مع خطاب العدو، وتُربك صفوفنا من الداخل.
لا يمكن لعاقل أن يتجاهل أن مصر، رغم صعوبة المشهد، لم تغلق أبوابها أمام غزة، ولم تتخلّ عن مسؤولياتها. بينما اختار آخرون أن يلوّحوا بشعارات مستهلكة من بعيد، أو يقيموا احتجاجاتهم لا على أبواب سفارات الاحتلال، بل على أبواب الدول الداعمة لغزة.
المؤلم ليس فقط في محاولات التشويه، بل في أن يُستخدم الدم الفلسطيني كورقة ضغط، أو كمنصة لتسجيل النقاط السياسية. وكأن دماء الأطفال في غزة لا تكفي، فصار لزامًا عليهم أن يُستنزفوا مرة أخرى، في صراع الروايات والتحريض الإعلامي.
من السهل جدًا أن تتحدث من خلف الشاشة، أو أن تُنشر صور الجرحى مع تعليق غاضب. لكن الأصعب – والأصدق – هو أن تتحمّل مسؤولية، أن تمدّ يدًا حقيقية لا افتراضية، وأن تفكّر فيما بعد الصراخ، لا في لحظة الغضب فقط.
مصر لم تطلب التمجيد، ولا تنتظر الشكر، لكنها تستحق الاحترام. لأنها لم تساوم، ولم تساير، بل اختارت أن تظل أمينة على موقعها في قلب القضية، حتى وإن تعرّضت لحملات التشويه، أو تنكّر البعض لتضحياتها.
أما أولئك الذين اختاروا التشكيك بدور مصر والأردن، فعليهم أن يتأملوا في سؤال بسيط: من يخدم هذا الخطاب؟ من المستفيد من تحطيم الجبهة الوحيدة التي لا تزال تؤمن أن فلسطين ليست مجرد عنوان عاطفي، بل قضية وجود وهوية وعدالة؟
في النهاية، سيبقى ما هو صادق واضحًا، وإن حاصره الضجيج. وسيبقى صوت مصر – مهما اشتدت العواصف – صوتًا للعروبة، لا يتغير مع الموج، ولا ينكسر تحت الضغط.
وستبقى فلسطين أمانة في أعناق من يخدمها حقًا، لا من يتاجر بها.