عربي و دولي

دمشق تُعلن لجنة تحقيق في أحداث السويداء.. اختبار جديّة أم التفاف على المطالب؟ 

الشاهين الإخباري

في خطوة نادرة منذ اندلاع الصراع السوري قبل أكثر من عقد، أعلنت وزارة العدل السورية تشكيل لجنة تحقيق رسمية للنظر في ملابسات أحداث العنف الأخيرة في محافظة السويداء. خطوةٌ أثارت جدلاً داخليًا وردود فعل متباينة بين التفاؤل الحذر والاتهامات بمحاولة “احتواء الغضب المحلي”.

لكن السؤال الجوهري يظل: هل تسير دمشق فعلاً على طريق إصلاح حقيقي؟ أم أن تشكيل اللجنة محاولة شكلية لامتصاص الضغوط؟

تأتي لجنة السويداء بعد أيام من نشر لجنة تحقيق حكومية أخرى نتائج تحقيقاتها في أحداث الساحل السوري التي وقعت في مارس الماضي، والتي تضمنت اتهامات بانتهاكات جسيمة شملت القتل الجماعي والتعذيب والشتم الطائفي، وفق توصيف اللجنة ذاتها.

 وبحسب وزارة العدل، منحت لجنة السويداء صلاحيات واسعة تشمل الاستعانة بالخبراء والجهات المعنية، مع التزام بإصدار تقرير نهائي خلال ثلاثة أشهر. إلا أن غياب ممثلين محليين من أبناء السويداء عن اللجنة أثار استياءً واسعًا بين النشطاء والأهالي الذين اعتبروها “خصمًا وحكمًا” في آن واحد.

مطالبات بتحقيق دولي

التوتر لم يتأخر، إذ شهدت السويداء وقفات احتجاجية طالبت بلجنة تحقيق دولية تشرف على الوقائع، وسط دعوات لحماية دوليةاعتُبرت رسالة سياسية بامتياز.

الخبير في القانون الدولي، ياسر الفرحان، علّق على هذا الجدل خلال حديثه إلى برنامج “التاسعة” على سكاي نيوز عربية، قائلًا إن “اللجنة السابقة في الساحل شكّلت سابقة قانونية مهمة”، مضيفًا: “اللجنة بنت لائحة المتهمين على الشبهة، لا على الدليل القاطع، من أجل توسيع دائرة الاتهام ومنع الإفلات من العقاب. هذا يحسب لها لا عليها”.

 

ترافق هذا الحراك مع تصريحات لافتة من واشنطن، حيث أكد المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس براك، أن الحكومة السورية تتعاون حاليًا مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بشأن مقتل مواطن أميركي في السويداء، مشيرًا إلى أن رفع اسم سوريا من قائمة الإرهاب “مرهون بتحولات حقيقية”.

وبحسب براك، فإن تحركات دمشق الحالية تبعث على أمل مشروط بالفعل لا بالقول”، مع الإشارة إلى استعداد المجتمع الدولي للتجاوب إذا لمست خطوات إصلاح حقيقية.

لجنة الساحل.. اختبار أول نجحت فيه دمشق؟

يرى الفرحان أن لجنة تحقيق الساحل شكّلت سابقة نادرة في تاريخ الدولة السورية، إذ تم توثيق أكثر من 900 إفادة وشملت القائمة أكثر من 550 مشتبهًا بهم تمت إحالتهم إلى القضاء بالأسماء والخلفيات.

ويضيف:”هذه لجنة حقيقية لا شكلية(…) وصفت ما حدث بدقة، من قتل جماعي وسرقة ممتلكات وحرقها، وهذا بحد ذاته اعتراف رسمي نادر بوقوع انتهاكات”.

ويؤكد أن اللجنة حظيت بإشادة من جهات أممية، منها لجنة التحقيق الدولية نفسها، إضافة إلى مسؤولة الشؤون السياسية في الأمم المتحدة روز ماري دي كارلو، ومكتب المبعوث الأممي إلى سوريا.

حواجز الثقة مع أبناء السويداء

لكن هل تنجح لجنة السويداء في كسب ثقة الضحايا وأهالي المحافظة؟ يقول الفرحان: “الرفض المطلق من البعض ليس موقفًا حقوقيًا. هناك أطراف محلية تترقب وتتطلع لمعرفة معايير الحيادية”.

ويتابع: “اللجنة قادرة على تجاوز الحواجز عبر التواصل المباشر مع الأهالي. لجنة الساحل أثبتت أن بإمكان الدولة السورية تقديم نموذج مختلف”.

 يشدد الفرحان على أن مؤسسات الدولة السورية لا تزال في طور إعادة البناء، ويضيف أن الحكومة السورية باشرت بعض الخطوات، منها ضبط السلاح وحصره بيد الدولة، وهو ما لم يتحقق بعد بالكامل.

ويحذر من أن استمرار الجماعات المسلحة في رفض تسليم السلاح، سواء في السويداء أو درعا أو الساحل، يعقّد مساعي الدولة للسيطرة وتحقيق العدالة.

إسرائيل والازدواجية الدولية

ووجه الفرحان انتقادات شديدة لما وصفه بـ”الازدواجية الدولية” في التعامل مع الوضع السوري، مؤكدًا أن إسرائيل تمارس جريمة عدوان موصوفة في القانون الدولي، وقال: “لا يمكن مساواة جريمة عدوان إسرائيل مع جهود تحقيق داخلية أو أممية، فهذا استغلال لظروف الدولة السورية التي لا تزال تبني مؤسساتها”.

في ضوء التطورات، يبدو أن دمشق أمام اختبار حقيقي: إما أن تتحول لجان التحقيق إلى بداية لمسار عدالة انتقالية وإصلاح سياسي تدريجي، أو أن تُقرأ كأداة سياسية لحماية النظام من الضغوط الدولية.

المؤشرات الأولية – وفقًا لتجربة لجنة الساحل – تمنح بصيص أمل مشروطًا، لكنَّ ثقة الأهالي والمجتمع الدولي لن تُبنى بالتصريحات، بل بالأفعال والنتائج. الكرة الآن في ملعب الحكومة السورية. والعيون جميعها، من الداخل والخارج، ترقب الخطوة التالية.

  

زر الذهاب إلى الأعلى