أقلام حرةصيد الشاهين

الإعلام الرقمي و التنظيم لمواجهة تحديات المحتوى الإلكتروني … مسؤولية من ؟؟؟؟؟

داود شاهين

في عصر تتشابك فيه خيوط الواقع الافتراضي مع الحقيقي، أصبح الإعلام الرقمي قوة لا يستهان بها في تشكيل الرأي العام وتوجيه بوصلة المعرفة. ومع هذا التحول، برزت ضرورة ملحة لتنظيم هذا الفضاء الواسع، ليس بهدف تقييد الحريات، بل لضمان مصداقية المحتوى وحماية المجتمع من مخاطر المعلومات المضللة.

يُعد تنظيم الإعلام الرقمي عملية معقدة تتطلب إيجاد توازن دقيق بين حماية حرية التعبير، بوجود تشريعات صارمة تمنع إساءة استخدام هذه الحرية. فمن جهة، يتيح الفضاء الرقمي لكل فرد أن يكون صانع محتوى، مما يكسر احتكار المعلومة. ومن جهة أخرى، يفتح هذا الفضاء الباب على مصراعيه للأخبار الزائفة، وخطاب الكراهية، والتحريض، مما يهدد السلم المجتمعي والاستقرار.


يتطلب تنظيم الإعلام الرقمي نهجاً متعدد الأبعاد يشارك فيه الجميع، من الجهات الرسمية إلى المؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني. يرتكز على عدة محاور أهمها إيجاد تشريعات واضحة تحدد بوضوح أطر عمل الإعلام الرقمي، وتعرف المحتوى المحظور مثل التضليل وخطاب الكراهية، وتحدد آليات للمساءلة القانونية دون تقييد النقد البناء أو التعبير عن الرأي. بالإضافة الى العمل على أن تكون التربية الإعلامية والرقمية جزءاً أساسياً من المناهج التعليمية والمبادرات المجتمعية. من خلال توعية الأفراد، وخاصة الشباب، بمهارات التفكير النقدي والتحقق من مصادر المعلومات.

لم يعد دور هيئة الإعلام مقتصرًا على إصدار تراخيص المحطات التلفزيونية والإذاعية أو متابعة الصحف الورقية. فمع التحول الرقمي، توسعت صلاحياتها لتشمل تنظيم عمل المواقع الإلكترونية الإخبارية ووضع الأطر القانونية التي تحكم المحتوى الرقمي. هذا التوسع في المهام يأتي استجابةً للتحديات التي فرضها العصر الرقمي، وأبرزها انتشار الأخبار الزائفة، وخطاب الكراهية، والمحتوى الذي يهدد الأمن المجتمعي. حيث تمتلك هيئة الإعلام صلاحيات واسعة لتنظيم قطاع الإعلام بمختلف أشكاله، بما في ذلك الإعلام الرقمي الذي يشهد تطوراً كبيراً. و يرتكز دور الهيئة على تحقيق التوازن بين حرية التعبير وضرورة ضمان المحتوى المسؤول والموثوق.

إن هيئة الإعلام هي الجهة الوحيدة صاحبة الولاية العامة على تنظيم الإعلام، ويعد دورها في صياغة التشريعات الجديدة محوريًا. و من الممكن أن يشمل هذا الدور عدة جوانب أهمها : العمل على إعداد أنظمة جديدة، بالتعاون مع الجهات الحكومية والبرلمانية والمجتمع المدني، لتقديم إطار قانوني واضح يحدد صلاحيات الهيئة في التعامل مع الإعلام الرقمي. بحيث تحدد هذه التشريعات بوضوح أنواع المحتوى الرقمي الذي يقع تحت إشراف الهيئة، مثل المواقع الإخبارية الإلكترونية والمدونات المهنية، مع التمييز بينها وبين الحسابات الشخصية للأفراد، للحفاظ على حرية التعبير الفردي.

إن الهدف من هذه التشريعات ليس تقييد الحريات، بل هو حمايتها وتنظيمها. فالحرية المطلقة دون مسؤولية قد تؤدي إلى الفوضى، بينما التنظيم الواضح والمحكم يضمن أن يكون الإعلام الرقمي أداة إيجابية تخدم المجتمع وتعزز التنمية، وهذا هو جوهر دور هيئة الإعلام في المرحلة القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى