
لماذا الأردن ومصر؟ وهل الموضوع دعماً لفلسطين؟
طارق ابوالراغب
شهدت الأيام الماضية موجة من الاعتداءات المتكررة على السفارات الأردنية والمصرية في عدد من العواصم، تحت ذريعة نصرة القضية الفلسطينية. لكن، من الضروري أن نطرح السؤال الجوهري: هل هذا الفعل يخدم فلسطين حقًا؟ أم أنه يعكس أجندة سياسية موجهة؟
الاعتداء على سفارتين تمثلان دولتين عربيتين لطالما شكّلتا العمود الفقري للحراك الدبلوماسي في القضية الفلسطينية، لا يبدو تصرفًا عفويًا أو عاطفيًا. الأردن ومصر هما من أكثر الدول التصاقًا بالملف الفلسطيني، سياسيًا وجغرافيًا وتاريخيًا، وقدّما عبر العقود أثمانًا باهظة في سبيل دعم الشعب الفلسطيني، سواء من خلال الجهد الدبلوماسي، أو استضافة اللاجئين، أو حماية المقدسات، أو الوساطة المستمرة لوقف التصعيد وفتح المعابر وتقديم المساعدات.
تزييف الوعي.. من يستفيد؟
الغريب أن هذه الهجمات رافقتها موجات تضليل ممنهجة في وسائل إعلام محسوبة على تيارات سياسية معروفة، أبرزها جماعة الإخوان المسلمين المصنفة تنظيمًا محظورًا في عدد من الدول. تم نشر أخبار كاذبة لتأجيج الرأي العام ضد الأردن ومصر، منها على سبيل المثال:
مزاعم عن اعتراض الأردن صواريخ إيرانية موجهة نحو إسرائيل، وهو خبر عارٍ عن الصحة وكُذّب رسميًا.
اتهامات باعتقال ناشط على خلفية تضامنه مع غزة، في حين أن قضيته جنائية تخص الجرائم الإلكترونية ولا علاقة لها بالمواقف السياسية.
اتهام مصر بإغلاق معبر رفح، وتجاهل أن للمعبر بوابتين؛ واحدة تخضع لسيطرة الاحتلال بمحور “فيلادلفيا”، والأخرى تحت الإدارة المصرية، ولا يمكن فتحه بشكل منفرد دون تنسيق كامل.
لماذا لا تُهاجم سفارات دول أخرى ؟
إن المنطق البسيط يطرح تساؤلاً محوريًا: إذا كانت هذه الأفعال تُبرر بدعم غزة، فلماذا لم تطل الاعتداءات سفارات دول أخرى تدّعي دعم المقاومة كتركيا وقطر؟ أليس من الأولى أن تُخاطب هذه الدول إن كانت القضية من أجل غزة فعلاً؟ أم أن الاستهداف انتقائي يفضح نوايا القائمين عليه؟
الحقيقة أن هذه الاعتداءات ليست إلا ترجمة لمشروع سياسي مشبوه، تقوده جهات هدفها الرئيسي ضرب الدول العربية المركزية في الإقليم، وخاصة التي ما زالت تمثل ثقلاً متوازنًا ومؤثرًا في ملفات الأمن القومي العربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
الدور التخريبي لجماعة الإخوان
من الواضح أن من يقف وراء هذا التحريض والتنفيذ ليس سوى جماعة الإخوان التي تمارس دورًا تخريبيًا مستمرًا في محاولة لخلق صراع داخلي عربي-عربي، وتشويه الأنظمة الوطنية التي وقفت دومًا إلى جانب فلسطين، من باب الثأر السياسي وليس من باب المبدأ.
هذه الجماعة، التي لفظها الشارع العربي، تعيش الآن على هامش الأحداث، وتحاول من خلال التأزيم والتخريب أن تعود للمشهد عبر بوابة “المقاومة المزيفة”، بينما تتجاهل الحقائق الميدانية والإنسانية والسياسية، وتفتعل خصومات داخلية لا تخدم سوى مشروع الاحتلال نفسه.
في الختام
الاعتداء على سفارات الأردن ومصر لا يخدم فلسطين، بل يخدم أعداء فلسطين. والتاريخ لن يغفر لكل من سعى إلى تشويه الحقائق أو زعزعة الجبهة الداخلية العربية باسم القضية الفلسطينية. فالنقد الحقيقي يبدأ من الذات، والتغيير لا يتم بحرق علم أو سفارة، بل بدعم الخطاب العقلاني والتحرك المسؤول، الذي يجيده الأردن ومصر رغم كل الحملات المغرضة.