
هنا بوابة العودة … حين تُعيد الآثار الحياة للفن الأصيل… رسالة مهرجان جرش
داود شاهين
تجسد إدارة مهرجان جرش رؤية فريدة تجمع بين عراقة المكان وعراقة الفن. فكما تقف آثار جرش شامخة لتشهد على عظمة الماضي، يقف المهرجان شامخًا ليشهد على عظمة الفن الأصيل. وليكون البحث عن الفنانين العريقين ليس مجرد استضافة، بل هو جزء من فلسفة المهرجان. فلا يقتصر دور مهرجان جرش على استعراض المواهب الصاعدة أو النجوم المتصدرين للمشهد الفني، بل يذهب أبعد من ذلك ليحتفي بأسماء الفنانين الذين طواهم النسيان. هؤلاء الفنانين، الذين قد يكونون قد ابتعدوا عن الأضواء لظروف مختلفة، يحظون بمكانة خاصة في ذاكرة المهرجان. لتكون هذه المبادرة ليست مجرد لفتة تقديرية، بل هي جزء من هوية المهرجان الذي يرى في الفن قيمة تراثية يجب أن لا تضيع. وتؤكد أن إدارة المهرجان تؤمن إيمان كبير بأن الفن الحقيقي لا يشيخ.
يُعرف مهرجان جرش بدوره الفريد في إعادة الحياة لأسماء فنية غابت عن الساحة لسنوات طويلة. فبينما تتسابق المهرجانات الأخرى لاستقطاب نجوم الصف الأول، يمدّ جرش يده إلى الرواد من الفنانين الذين طوتهم الأيام وذبلت أصواتهم في ذاكرة الأجيال الجديدة. ليؤكد القائمون على المهرجان إيمانهم بأن القيمة الفنية الحقيقية لا يمحوها الزمن، وأن هؤلاء الرواد الذين أثروا الساحة الفنية يستحقون التكريم وإعادة تسليط الضوء على إرثهم الفني. هذا النهج يربط الماضي بالحاضر، ويعرف الأجيال الجديدة على عمالقة الفن الذين وضعوا حجر الأساس للمشهد الفني الحالي.
لا تخلو أي فعالية بحجم مهرجان جرش من بعض الأخطاء والعثرات، وهذا أمر طبيعي في المشاريع الضخمة التي تتطلب تنسيقًا معقدًا وجهودًا كبيرة. فالمهرجان ليس مجرد سلسلة من الحفلات، بل هو منظومة متكاملة تشمل الجوانب اللوجستية، والفنية، والتنظيمية. لكن هذه الأخطاء لا تقلل من قيمة الإنجاز والجهد الذي تقوم به إدارة المهرجان، بل على العكس تماماً هذه الأخطاء والعثرات بالنسبة للإدارة جزء من التحديات التي تواجه أي مشروع كبير. و المهم هو كيفية التعامل معها، والتعلم منها لتجنبها في الدورات القادمة. فإدارة المهرجان تعمل دائمًا على تحسين الأداء وتلافي المشاكل، لضمان تقديم تجربة أفضل للجمهور في كل عام.
“أنا شخصيًا أعتبر واحداً ممن يقدمون النقد المباشر لإدارة المهرجان، لأنني أرى أن النقد البناء هو ركيزة أساسية لتطوير أي فعالية ثقافية بحجم مهرجان جرش. إيمان مني بأن هذا المهرجان يمثل واجهة حضارية للأردن هو ما يدفعني إلى الملاحظة والمتابعة، ليس بهدف التقليل من شأنه، بل بهدف المساهمة في جعله أفضل. أما أن يتحول النقد إلى كذب وافتراء والحديث بأمور لم ولن تحدث، فهذا يعتبر تخريباً للجهود، وتشويهاً للسمعة، وإضعافاً للثقة بين الإدارة والجمهور، ويخرج تماماً عن سياق النقد الهادف، ليصبح أداة هدم لا بناء.
و أما إذا تحول النقد إلى نوع من أنواع الشكوى والاستعطاف ويصدر عن قامة فنية لها تاريخها وعراقتها ؟؟؟؟ فهذا يعتبر إساءة لتاريخ الفنان. وإهداراً لمكانتها الفنية ولإرثها الفني، وانتقاصاً من قيمتها أمام جمهورها الذي اعتادها رمزاً للقوة والعزة.
إن القامة الفنية، بتاريخها وإرثها، يجب أن تكون صوتاً للحكمة والتقدير، لا صوتاً للشكوى والاستعطاف، لأن ذلك يقلل من هيبتها ويضعها في موقف ضعف لا يليق بها.
في الختام، سيبقى مهرجان جرش أكثر من مجرد حدث فني. إنه رسالة ثقافية عميقة تخرج من بين أعمدته الرومانية الشامخة، ليقدم المهرجان رؤية فريدة تجمع بين عراقة الماضي وأصالة الحاضر، مؤكداً أن الفن الحقيقي لا يشيخ. وسيبقى مهرجان جرش يمد يده لرواد طواهم النسيان، ويحتفي بقامات فنية أثرت الوجدان، ليثبت أن الوفاء للفن الأصيل هو أساس هويته.
وعلى الرغم من أن أي فعالية ضخمة قد تواجه بعض التحديات والأخطاء، فإن روح المهرجان تبقى في قدرته على التعلم والتطور. ويبقى النقد البناء هو الحافز الأسمى للتحسين، طالما أنه لا يتحول إلى افتراء أو شكوى تسيء إلى هيبة الفنان وقيمته.
في نهاية المطاف، يبقى جرش مساحة للإبداع والتقدير، وجسرًا يربط الأجيال، وذاكرة حية تحتفي بكل ما هو أصيل وعريق في الفن العربي.
الي على راسوا بطحة يحسس عليها
حمى الله الأردن والأردنيين