
أرضنا وحدودنا لا تختصر بخارطة مزيفة
الشاهين الاخباري
فداء الحمزاوي
أنا ابنة يافا، أردنية المولد والمنشأ، فلسطينية الجذور، وعربية الانتماء قبل أي جنسية، أحمل في قلبي فلسطين كلها، وأحمل في روحي خريطة أمة تمتد من المحيط إلى الخليج، حين يخرج نتنياهو ليعرض مشروعه المسموم، “خارطة إسرائيل الكبرى”، التي يزعم أنها تضم فلسطين بكاملها وأجزاء من الأردن ومصر وسوريا ولبنان، أشعر أن الكلام ليس مجرد تصريح سياسي، بل إعلان استعماري صريح لاستباحة وجودنا كعرب.
هذا التصور ليس رؤية مستقبلية كما يحاول أن يروج له، بل امتداد لفكر استعماري يعتقد أن التاريخ يبدأ من لحظة قدومه، وأن الشعوب تمحى بجرة قلم، أي عقل مريض يظن أن هذه الأرض التي رواها أجدادنا بالدم والعرق يمكن أن تختزل في خطوط وهمية على أطلسه؟ أي غرور يجعله يعتقد أن الأردن التي احتضنت شعوبا وناضلت من أجل كرامتها، ستقبل أن تنتزع منها ذرة تراب؟ أو أن مصر التي علمت العالم معنى الصمود، ستقف صامتة وهو يمد أطماعه نحو سيناء؟ أو أن سوريا ولبنان، اللتين دفعتا أثمانا باهظة في مواجهة الاحتلال، ستسلمان أرضهما طوعا؟يا نتنياهو، نحن لسنا فراغا جغرافيا في خيالك، ولسنا شعوبا بلا ذاكرة، نحن أمة، بمدنها وريفها وصحاريها وسواحلها، بتاريخها الممتد لآلاف السنين، مشروعك “إسرائيل الكبرى” ليس إلا محاولة لتكرار خطيئة القرن الماضي، لكنك هذه المرة تواجه أجيالا تعرف اللعبة جيدا وتحفظ مناوراتها عن ظهر قلب، وتدرك أن الخرائط التي ترسم في غرف مغلقة، لا تساوي شيئا أمام إرادة الشعوب، لن تستمر الشعوب بكونها رقعة شطرنج، بل ستصبح هي اللاعب الرئيسي!.أنا لست ابنة يافا فقط، أنا ابنة الأردن وسوريا ولبنان ومصر، أنا ابنة الأمة التي ترى في كل شبر عربي قضية شخصية، وأعلنها بوضوح، فلسطين ليست للبيع، والأردن ليست ساحة عبور، ومصر وسوريا ولبنان ليست فراغا تنتظرك لتملأه على ورق.
خارطتك المزعومة لا تخيفنا، لأنها كذبة كبرى لا تصمد أمام التاريخ، ولا أمام الدماء التي سالت على هذه الأرض، والخارطة الحقيقية مرسومة في قلوبنا، محفورة بذاكرتنا، ومختومة بعهودنا، لن نسمح لأحد أن يعيد رسم حدودنا إلا نحن، ولن نسمح لمحتل أن يمد يده على أرضنا.
هذه الأمة، مهما مرضت أو ضعفت، لن تموت، وستظل تلد أجيالا لا تعرف الانكسار، وتعرف أن البحر لا يبتلع الشاطئ، وأن الليل مهما طال، تليه شمس لا تحجب.