أقلام حرة

رابط الصراحة بين فضول القلوب وسموم الكلمات

فداء الحمزاوي

في السنوات الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صيحة ما يعرف بـرابط الصراحة، حيث ينشره صاحب الحساب على صفحته ويدعو متابعيه لكتابة ما يشعرون به اتجاهه، دون الكشف عن هويتهم، فكرة الرابط بسيطة، مساحة مفتوحة للتعبير الحر، بعيدا عن الحرج أو الخوف من المواجهة.

لا شك أن هذا الرابط أحيانا يحمل كلمات دافئة، عبارات إعجاب، أو حتى رسائل حب خجولة من طرف لم يجرؤ على الاعتراف مباشرة، وقد يتضمن نصائح صادقة أو دعما معنويا يترك أثرا جميلا في قلب المتلقي، هنا يظهر الجانب الإيجابي للفكرة تواصل صادق وإن كان خلف ستار المجهول.

لكن وكما هو الحال مع كل ما يفتح الباب على مصراعيه دون ضوابط، للشر نصيبه، فرابط الصراحة لا يستقطب فقط المحبين وأصحاب النوايا الطيبة، بل يجذب أيضا النفوس المريضة، والقلوب المليئة بالغيرة والأحقاد، هؤلاء يجدون في إخفاء الهوية فرصة للتقيؤ بالكراهية، وإطلاق الشتائم، بل وحتى الدعاء بالسوء على صاحب الرابط، دون أدنى شعور بالمسؤولية، وهنا يتحول الرابط من وسيلة للتقارب، إلى أداة طعن خفية قد تترك جرحا نفسيا عميقا في روح المتلقي.

المؤلم أن صاحب الرابط، مهما حاول التحليل أو التخمين، لن يعرف حقيقة من يقف خلف الكلمات المؤذية، لأنه هو من منح هذا الشخص فرصة الشتم من خلف حجاب الأمان، والأدهى أن بعض الأشخاص يفتحون الرابط أصلا من أجل سبب محدد، كأن يكون هناك شخص يشتبهون بحبه لهم، فيضيق صبرهم عن الانتظار ويضعون الرابط كاختبار خفي لتأكيد ظنونهم، لكن هذا الرهان قد ينقلب كابوسا، إذا جاءتهم الكلمات عكس ما توقعوا.

أما أنا، كفداء، أرفض جملة وتفصيلا وجود مثل هذة الروابط للتعبير عن المشاعر، فلا حاجة لي بمحب يختبئ خلف رابط إلكتروني ليبدي لي حبه، ولن أسمح لأصحاب القلوب المريضة بدس سمهم في طبق قدمته أنا لهم على صينية من ذهب، لذا أنصح الجميع بالابتعاد عن مثل هذه الروابط التي حتما ستجلب لكم الكثير من الأذى النفسي.

الصراحة قيمة عظيمة، لكن أجمل ما فيها أن تأتي وجها لوجه، بعينين صادقتين، لا من وراء شاشة وظل مجهول.

زر الذهاب إلى الأعلى