أقلام حرة

ما يحدث في السويداء خطر يداهم الأردن

محمد علي الزعبي

ما يجري في السويداء اليوم لم يعد حدثًا عابرًا في خاصرة الشام، بل أصبح جرحًا مفتوحًا يقترب من الأردن، وينذر بتداعيات لا يمكن التهاون معها. فالسويداء، بما لها من موقع استراتيجي وبُعد اجتماعي وتاريخي، تتحول يومًا بعد يوم إلى ساحة مشتعلة، تختلط فيها مصالح القوى الدولية بأجندات إقليمية، وتتسلل عبرها قوى الإرهاب والتهريب، لتجعل منها منصة تهدد الأمن الوطني الأردني مباشرة.

لقد حذّر جلالة الملك عبدالله الثاني مرارًا من ترك الجنوب السوري فريسة للفوضى، فالأردن كان وما يزال خط الدفاع الأول عن استقرار المنطقة. واليوم، تتكشف نذر الخطر بوضوح أكبر: شبكات تهريب المخدرات والسلاح تعبر من هناك، وحواضن التطرف تجد في الفوضى ملاذًا، فيما يعاني أهل السويداء أنفسهم من أتون صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، بين مطامع المتدخلين وضعف الدولة السورية في إدارة هذا الملف الشائك.

إن الخطر الداهم على الأردن لا يكمن فقط في التهديد الأمني المباشر، بل أيضًا في محاولة بعض القوى زعزعة التوازن الديمغرافي والسياسي، وخلق واقع جديد على الحدود الشمالية للمملكة. فالأردن الذي يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية داخلية، لا يحتمل أن تُفرض عليه أعباء إضافية من جواره، خاصة وأننا خبرنا مرارة اللجوء السوري منذ عام 2011، وما استنزف من مقدراتنا وصبر شعبنا.

السويداء اليوم تقف على مفترق طرق: إمّا أن تُنقذ بالحكمة والتسويات، وإمّا أن تتحول إلى بؤرة صراع إقليمي تُفتح شهيتها على حساب الأردن وأمنه. ومن هنا، يصبح الدور الأردني أكثر إلحاحًا في قيادة الجهود الدبلوماسية والسياسية، لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، ولمنع انزلاق الجنوب السوري إلى فراغ خطير. وهذا ما سعى إليه الأردن مؤخرًا عبر استضافة اللقاءات الثلاثية مع وزير الخارجية السوري والمبعوث الأمريكي، بتنسيق يقوده وزير الخارجية أيمن الصفدي، التزامًا بتوجيهات جلالة الملك.

إن ما يحدث في السويداء ليس شأنًا داخليًا سوريًا فحسب، بل هو إنذار صريح للأردن. فأمن المشرق كلٌّ متكامل، وأي انهيار في خاصرة سوريا الجنوبية سيطرق أبوابنا لا محالة. ومن هنا، فإن الرهان الحقيقي يبقى على يقظة الدولة الأردنية، وصلابة مؤسساتها الأمنية والعسكرية، ووعي شعبها، وعلى تحرك إقليمي جماعي يضع حدًا لنيران الجنوب قبل أن تلتهم الأخضر واليابس.

إننا أمام لحظة مفصلية: إمّا أن يُكتب للسويداء أن تكون جسرًا للسلام، أو أن تُترك لتتحول إلى خنجر مسموم في خاصرة الأردن والمنطقة. والتاريخ لن يرحم من يتقاعس عن إدراك الخطر قبل أن يستفحل.

زر الذهاب إلى الأعلى