
جهاد أبو بيدر
كامل النصيرات
منذ أن جاءني خبر وفاة فقيد الجميع وعزيزهم الصحفي “جهاد أبو بيدر” وأنا لا أستطيع ضبط الات السرحان لديّ.. فكلّ مقالةٍ تذكّرني به.. وكل جناح حرفٍ يطير به إليَّ .. وكل مانشيت عميق أراه يطلّ برأسه منه.. لم يكن شخصًا عابرًا؛ بل عابرًا للقلوب وفيها..!
عرفته بعد معرفتي بزوجته المبدعة الصحفية “حنان الكسواني” بتسع سنوات أيّام جريدة “البلاد” الأسبوعيّة حين كانت “حنان” منطلقة كالصاروخ وتجوب الأردن شرقًا وغربًا بحثًا عن كل مميز دفاعًا عن الفقراء والمهمّشين والذين لا صوت لهم.. لألتقي بعدها بـالفتى الأسمر؛ بالمشاغب الصاخب؛ بالمخيّم وفلسطين وبأحلام المحرومين اللاهثين خلف سراب الصعود..!
في جريدة “الأنباط” اليومية كانت تجربتي الكاملة معه.. رئيس تحرير مع كاتب مقال سياسي ساخر يوميّاُ.. ولا يكاد يخلو أسبوع من اتصال تلفوني يصرخ فيه: ما رح ترتاح إلّا لما تحبسني يا كامل يا نصيرات..! كنتُ أضحك ولكن للحقّ “كان يعدّيلي أشياء كثيرة”.. وعندما وقفتُ معه أمام المدّعي العام قبل عشرين عامًا لقضية مرفوعة علينا قال للمدعي العام: كامل ما إلو دخل.. أنا المسؤول.. ويشهد على ذلك المحامي الكبير محمد قطيشات وكيلنا بتلك القضية..!
آخر مرّة رأيته فيها يوم انتخابات نقابة الصحفيين.. قضّيت أغلب الوقت معه وتناقشنا بأشياء كثيرة وتساررنا بأشياء أكثر.. قال لي يومها: هناك موضوع يريد أن ينتهي منه ويسافر إلى أمريكا بشكل نهائي ليلتحق بـ “حنان وعمر”..! ولكنّ المرض اللعين لم يمهله إلّا ليلتحق بالمستشفيات وأجهزتها الطنّانة والزنّانة..!
كنّا في غمرة الليل نسكب أحلام الثوّار على طاولة ليس عليها إلّا بقايا فناجين القهوة ومكتات دخان مليئة بأعقاب السجائر فينطلق بصوته الشجيّ يغنّي لفلسطين وللمقاومة وللمخيمات و أرتال من دموعه تقف عند محراب عينيه.. كان صوته يتهدّج وكأنه يتذكّر كل وجع في المخيّم.. ليس كأنه؛ بل كان هو المخيّم.. هو الطفل الراكض في الوحل ليقبض على عفريت القمقم..!
لا فائدة للكلام يا صديقي.. فأنت قد غدرتني ورحلتً ولم تنجز كثيرًا من مواعيدنا المؤجلة.. لم تتصل بي لتقول لي: أنا أموت يا كامل يا نصيرات.. فاهرع إليّ..! لا فائدة؛ أنتَ أنت.. حتى في موتك أحدثتَ الضجيج..!
رحمك الله .. وللعزيزة حنان الكسواني ولعائلتها الصبر المعتّق والسلوان الذي لا ينتهي.
&&&&