أقلام حرة

الأردن ومثلث الحماية: الترابط الاجتماعي، التجنيد الإجباري، والتربية على المواطنة

المحامي د ناصر ابو رمان

يعيش الأردن اليوم وسط منطقة مليئة بالتقلبات والتهديدات، وتتصاعد حوله الضغوط الإقليمية التي تفرض عليه أن يكون أكثر استعداداً وصموداً. والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف يمكن أن يبقى الأردن آمناً وموحداً في وجه هذه التحديات؟

الإجابة لا تتوقف عند قوة الجيش أو متانة المؤسسات فقط، بل تتجاوزها إلى مناعة المجتمع نفسه. هذه المناعة يمكن أن تُبنى على ثلاثة أركان مترابطة: الترابط الاجتماعي، إعادة التجنيد الإجباري، والتربية على المواطنة والجاهزية.
الترابط الاجتماعي… أساس الحماية
المجتمعات القوية لا تُكسر بسهولة. حين يكون الأردني إلى جانب أخيه، يشعر كلاهما أن الوطن يجمعهما قبل أي انتماء آخر. العدالة، تكافؤ الفرص، والشفافية هي المفاتيح التي تقوي هذه الروابط وتمنع أي محاولة لشق الصف أو زرع الفتنة.
كلما زادت الثقة بين المواطن والدولة، تراجع الاستقطاب الداخلي، وازداد شعور الناس بأن الأردن بيتهم الكبير الذي لا يسمحون لأحد بالعبث به.

التجنيد الإجباري… مدرسة وطنية للشباب وقوى ردع لأي طامع
التجنيد ليس عقوبة، بل فرصة لتشكيل شخصية الشاب الأردني. في الخدمة الإلزامية يتعلم الانضباط، قيمة الوقت، والعمل ضمن فريق. الأهم من ذلك أنه يلتقي بشباب من مختلف المحافظات والخلفيات، فيذوب الحاجز بين الشمال والجنوب، بين البادية والمدينة.

النموذج الأمثل أن يجمع التجنيد بين جانب عسكري أساسي يمنح الجاهزية، وجانب مدني يتيح للشباب خدمة وطنهم في مجالات الزراعة، التكنولوجيا، الصحة والبيئة. وبهذا يتحول التجنيد من واجب ثقيل إلى فرصة لبناء الذات وخدمة الأردن.

التربية على المواطنة والجاهزية… الاستثمار في المستقبل
إذا كان التجنيد يصهر الشباب في الحاضر، فإن التربية على المواطنة والجاهزية هي ما يضمن استمرار المناعة الوطنية للأجيال القادمة.
المواطنة تعني ببساطة أن يعرف المواطن حقوقه وواجباته، أن يحترم القانون، ويشارك في بناء وطنه. أما الجاهزية فهي الجانب العملي: كيف نتصرف وقت الأزمات؟ كيف نواجه الشائعات؟ كيف نساعد جيراننا عند الحاجة؟
هذه ثقافة يمكن غرسها عبر المدارس والجامعات والأنشطة المجتمعية، لتصبح جزءاً من أسلوب حياة الأردني
كلمة أخيرة
الأردن بحاجة اليوم إلى أن يعزز هذا المثلث الوطني: ترابط اجتماعي قوي، شباب مدرَّب عبر التجنيد الإجباري، ومجتمع واعٍ بفضل التربية على المواطنة والجاهزية.
بهذه العناصر، لن يكون الأردن مجرد دولة صغيرة في خريطة مضطربة، بل وطناً قادراً على حماية نفسه، صامداً أمام الأطماع، واثق الخطى نحو المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى