أقلام حرة

الفن ليس ترفا بل هوية تقاوم الدمار

فداء الحمزاوي

لم يعد الغناء مجرد رمز للفرح، ولا المسرح مرادفا للضحك والكوميديا والترفيه، نحن اليوم في زمن بات فيه كل فرد يختار طريقته الخاصة للتعبير عن غضبه وحزنه، وكأن الإبداع تحول إلى وسيلة لتفريغ الجراح الداخلية، فهناك من يرقص في ذروة ألمه، وهناك من يعزف على أوتار حزنه، وآخر يعتلي خشبة المسرح ليخفي وجع قلبه خلف شخصية أو نص، تعددت الوسائل، لكن الجوهر واحد، الفن لم يعد مجرد ترف، بل صار صرخة وجود.

كثيرا ما يساء فهم هذه الأشكال من التعبير، فينظر إليها أحيانا على أنها خفة أو لامبالاة، والحقيقة أن المهرجانات والفعاليات الفنية لا تعني بالضرورة أن بلدا ما يحتفل وسط جراح جيرانه أو في بيوت عزائهم، بل هي امتداد لإرث ثقافي عربي متجذر منذ عقود طويلة، يعكس هوية المجتمع وملامح حضارته، فهي ليست مجرد عروض للترفيه، بل منصات لعرض هموم الناس وآمالهم، ومحاولة لصياغة الوجع بلغة مختلفة يفهمها الجميع.

الفن رسالة تتجاوز حدود الزمان والمكان، هو رسالة إنسانية تحمل أبعادا اجتماعية وثقافية وحضارية وسياسية، تتقاطع جميعها لتؤكد أن الإبداع لا ينفصل عن الواقع، وفي وطن عربي يعيش ظروفا صعبة نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، يظل الفن أحد أهم عناصر البقاء والهوية، إنه الذاكرة التي تحفظ الموروث، والمرآة التي تعكس الحاضر، والجسر الذي يربطنا بالمستقبل.

في النهاية، الفن ليس رفاهية ولا ترفا عابرا، بل هوية تقاوم الدمار، و صوت للإنسان حين تضيق به السبل، وهوية الشعوب حين يشتد الحصار، وحين يقام مهرجان أو عرض مسرحي في أي بلد عربي، فهو ليس احتفالا بالجرح، بل مقاومة له، واعتراف بأن الحياة رغم كل شيء يجب أن تعاش، وأن الهوية العربية ستبقى تنبض بالفن مهما اشتدت العواصف.

زر الذهاب إلى الأعلى