أقلام حرة

لعبة الأسماء الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي


المحامي طارق ابوالراغب

شهدت منصات التواصل الاجتماعي ارتفاعًا لافتًا في التعليقات الوهمية والمنسقة، أُطلقت أحيانًا من حسابات مزيفة وأسماء مستعارة، تُسمّى (political bots) أو (sock puppets)، وتُدار من قبل جهات مؤسساتية أحيانًا، بهدف توجيه النقاش العام. في هذا المقال، نستعرض كيف تعمل هذه الموجات الاصطناعية على توجيه الرأي، وتقويض الفعل الجمعي، عبر تلاعب ذكي في وعي الجمهور.


كيف تعمل هذه التطبيقات والحسابات الوهمية؟

تقوم “البوتات السياسية” بنشر رسائل متشابهة بشكل متكرر، تضخم دعمًا لجهة أو توجه معين، أو تشوه صورته العامة من خلال astroturfing، أي خلق وهم بوجود دعم شعبي واسع لأفكار محددة .

تستخدم أيضًا أساليب مثل:

Smoke screening: إغراق المنصة بمواضيع تشتيتية لتدفن النقاش الحقيقي.

Misdirecting: تحويل الانتباه إلى موضوعات غير متصلة لتجنب النقد.

Consensus cracking: بث نسخ ضعيفة من المعارضة ثم تفكيكها لجعل الطرف الآخر يبدو ضعيفًا .

تُستخدم هذه البرامج بشكل ممنهج لتنفيذ ما يُعرف بـ”التنسيق غير الموثوق” (coordinated inauthentic behavior)، حيث تتصرف الحسابات بتزامن في النشر والإعجاب والردود لخلق وهم شعبية مزيفة .

يساهم هذا التنسيق في تسليط الضوء المصطنع على موضوعات معينة عبر خوارزميات المنصات، فيظهر للمتلقي أنها الأكثر تداولًا، مما يرفع من نسب الرؤية والتأثير .

في الحقيقة، هذه الحسابات أحيانًا تتبع أنماطًا دقيقة وانسانية، مثل تكرار النشر ضمن أوقات عمل اعتيادية، أو استخدام صور وهمية لأشخاص، كما سجل في شبكة من الصفحات في أذربيجان .
أمثلة واقعية وحقائق موثّقة

في الولايات المتحدة، استخدمت البوتات لإغراق موقع لجنة الاتصالات الفيدرالية (FCC) بمئات الآلاف من التعليقات المزيفة خلال مناقشة حيادية الإنترنت، ما أربك العملية الديمقراطية .

في الفلبين، تبيّن أن حوالي 33% من الحسابات التي تناقش اعتقال رودريغو دوتيرتي كانت مزيفة، حيث أنتجت أكثر من 1,300 منشور و7,000 تفاعل موجه لصالحه، بهدف خلق وهم إجماع جماهيري .

نظمًا مثل “الويب براجيد” الروسية أُستخدمت أيضًا لنشر دعاية مؤيدة للكرملين والتشويش على الروايات المعارضة، لا سيما في فضيحة MH17 والحرب ضد أوكرانيا
كيف يؤثر هذا على العقل الجمعي؟ (نظرية “سايكولوجيا الجماهير ”)

يركز الكتاب المشهور “سيكولوجيا الجماهير ” لجوستاف لوبون)، على كيف أن الجماهير تتبع اتجاهًا واحدًا بلا نقد، وتُخمد الأصوات المعارضة في غيابه. هذه اللعبة تعتمد على فكرة: من يعارض يُقابل بصمت أو ضغوط افتراضية، فيظن الجميع أن الرأي الموحد هو المتبع.

هذا يناسب تمامًا مفهوم Groupthink، حيث يتماشى الأفراد ضمن مجموعة بلا تفكير نقدي، لينشأ ما يعرف بـ“الوهم بالإجماع”. أي أن الصمت يُفسر كدعم .

ويتقاطع مع مفهوم Pluralistic Ignorance: هنا، يعتقد الناس خطأ أن الأغلبية تتفق على رأي وهمي، فيخضعون له رغبة في تجنب المعارضة أو الاختلاف
دلالات وأهداف خبيثة

الغرض ليس فقط التعبير، بل تغليب رأي معين وطمس الأصوات المخالفة عبر مبدأ “من يخالف يُطمر”، فينفرد الاتجاه الواحد، ويختفي التنوع في الرأي.

تؤدي هذه الديناميكية إلى قلّة التفكير النقدي، شعور بالأغلبية الزائفة، وتغيير في السلوك الجمعي.

الخلاصة والتحذير

هذه اللعبة – لعبة الأسماء الوهمية والتعليقات المصطنعة – ليست ترفًا إلكترونيًا عابرًا، بل سلاح فعلي يستخدم لتوجيه الرأي العام، تحت رعاية تنظيمات محظورة أو حتى أجهزة استخباراتية. عبر تكرار، وتنسيق، واستهداف عاطفي، تُبنى صورة عامة مزيفة.

لذلك، ينبغي أن نطالب بـ:

زيادة الوعي المجتمعي بخطر الحسابات المزيفة.

الترويج لفكر نقدي، وعدم قبول ما يُروّج له كواقع بلا تمحيص.

دعم أدوات كشف التنسيق المزيف وحماية الأصوات الحرة والمستقلة.

زر الذهاب إلى الأعلى