
معتقلو غزة يواجهون الجحيم في سجون الاحتلال ومعسكراته
الشاهين الاخباري
قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، إنه بعد مرور نحو عامين على بدء حرب الإبادة المستمرة، وما رافقها من جرائم ممنهجة وانتهاكات جسيمة تُمارس بحقّ الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تبقى الشهادات المتواصلة من معتقلي غزة الأشد قسوة والأكثر فظاعة من حيث مستوى الجرائم والانتهاكات المرتكبة بحقهم.
وأضافت الهيئة والنادي في بيان، اليوم الأربعاء، أن معتقلي غزة ما زالوا يواجهون الجحيم في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعسكراته. واستنادًا إلى مجموعة من الزيارات التي جرت مؤخرًا في عدد من السجون والمعسكرات، ومنها قسم “ركيفت” في سجن “الرملة”، ومعسكر “سديه تيمان” اللذان شكّلا ولا يزالان أبرز العناوين لجرائم التعذيب الممنهجة بحقّ معتقلي غزة، فقد عكست مجددًا إفاداتهم التي جرى الحصول عليها تحت قيود مشددة.
واستعرضت الهيئة الأسرى والنادي، في إحاطة جديدة شملت الزيارات التي جرت ما بين نهاية تموز/ يوليو ومنتصف آب/ أغسطس، تفاصيل الجرائم والانتهاكات المستمرة بحقّهم.
في قسم “ركيفت” الواقع تحت الأرض في سجن “الرملة“
أكد البيان، أن جميع المعتقلين تعرّضوا للتهديد والضرب قبل الزيارة لإجبارهم على الإقرار أمام المحامي بأن الوضع المعيشي في القسم “ممتاز”، كما مُنع المحامي من نقل أي معلومات عن العائلة أو أي شيء يتعلق بالوضع الخارجي والحرب المستمرة.
وأبرز ما عكسته الإفادات: استمرار سياسة الضرب وتكسير أصابع المعتقلين، وعزلهم عزلاً شاملًا، حيث يُحرمون من رؤية الشمس. ويُسمح لهم بالخروج إلى “الفورة” يومًا بعد يوم لمدة 20 دقيقة فقط، وهم مكبّلو الأيدي ورؤوسهم منحنية إلى الأسفل. كما يتم توزيع الفرشات مساءً وسحبها صباحًا، ما يضطر المعتقلين إلى الجلوس على الحديد طوال اليوم. كما يتعمد السجانون إذلالهم وشتمهم وإجبارهم على شتم أمهاتهم وعائلاتهم، إضافة إلى التهديد والإرهاب المستمرين على مدار الساعة، حتى باتت حالة الرعب والخوف ظاهرة بشكل جليّ عليهم.
خرج عدد من الأسرى للزيارة وهم يجهشون بالبكاء خوفًا ورعبًا، وكان أحدهم قبل خروجه للزيارة من الواضح أنه تعرّض للضرب المبرح، والدموع تغطي وجهه، وآثار القيود على يديه، ولم يتمكن من الحديث عمّا جرى معه، واكتفى بمحاولات الإشارة بعينيه للمحامي. ولم تكن حالته فردية، فجميع المعتقلين كانوا في وضع نفسي بالغ الصعوبة، وكان الرعب يخيم على مشهد الزيارة، وذلك حسب البيان.
التحقيق: أبرز مراحل رحلة الجحيم التي واجهها معتقلو غزة
تُشكّل مرحلة التحقيق إحدى أبرز المراحل التي عكست مستوى جرائم التعذيب والانتهاكات الجسيمة التي مارسها المحققون بحقّ معتقلي غزة.
المعتقل (أ. ي): “اعتُقلتُ في كانون الأول/ ديسمبر 2023، ونُقلتُ بعد اعتقالي إلى “البركسات” حيث مكثت ثمانية أيام، خضعت خلالها لتحقيق “الديسكو” أربعة أيام. ولاحقًا، تعرضت لتحقيق جديد من جهاز المخابرات والجيش، ثم نُقلتُ إلى سجن “عسقلان” حيث احتُجزتُ في زنزانة لمدة شهر، من دون أن أعرف الليل من النهار، وخضعتُ لتحقيقات عسكرية قاسية جدًا. كان يتم وضعي على الكرسي ثم يُرمى بي على الأرض وأنا مقيّد اليدين والقدمين، وتعرضت للضرب يوميًا على مدار 30 يومًا. اليوم أعاني تمزقا في الصدر وأوجاعا شديدة بسبب تقييد يديّ إلى الخلف لفترات طويلة. وبعد “عسقلان” نُقلتُ إلى سجن “عوفر”، حيث تم عرض شاشة فيها خارطة لتحديد بيتي والاستفسار عن بعض المواقع في غزة”.
المعتقل (ي. د): “تم التحقيق معي ميدانيًا لمدة ساعة، ثم نُقلتُ إلى “البركسات” حيث تعرضت للضرب، ومن ثم إلى تحقيق “الديسكو”، حيث تعرضت للضرب المبرح والشبح وفقدت الوعي عدة مرات. كانوا يسكبون الماء عليّ لإيقاظي، ومن شدة الضرب انخلعت القيود مرتين من يدي. ضُربت على رأسي بعنف، ونُتف شعر رأسي. أعاني اليوم كسورا في الجانب الأيمن من صدري، ولا أستطيع النوم. كما تسبب التعذيب في تمزق في أذني اليسرى، وضعف في البصر، وأوجاع في الكلى”.
المعتقل (ع. ب): “اعتُقلتُ في اليوم الثاني من بداية الحرب، وكنت أعاني إصابة في فكي وخضعت لعملية جراحية. بعد اعتقالي نُقلتُ إلى سجن “عسقلان” حيث مكثت شهرًا ونصف شهر وخضعت لتحقيق عسكري استُخدمت فيه أساليب “الشبح” و”الموزة” والضرب، واستمر ذلك 17 يومًا منها خمسة أيام متواصلة. تعمد المحققون ضربي على خصيتيّ والإمساك بهما للضغط عليّ وانتزاع الاعترافات، كما كانوا يعصبون عيني ويرمونني من الكرسي إلى الأرض. بعد نقلي إلى سجن “الرملة” تعرضت لتحقيق جديد حيث كسر السجانون أصابعي.
الجوع وانتشار الأمراض يخيمان على الإفادات
أكد جميع المعتقلين الذين تمت زيارتهم أنهم يعانون الجوع الشديد، وأحدهم وصف الوضع بـ”المجاعة”، حيث لا يقدم لهم سوى القليل من اللقيمات، وغالبًا ما تكون غير صالحة للأكل. يجمع المعتقلون هذه اللقيمات لتكوين وجبة واحدة مساءً. والكمية التي تقدم لزنزانة كاملة بالكاد تكفي أسيرًا واحدًا. معظمهم يعانون نقصًا حادًا في الوزن وهزالًا وإرهاقًا شديدًا، إضافة إلى تفاقم أمراض ومشكلات صحية.
وإلى جانب جريمة التجويع، لا تزال الأمراض والأوبئة تنتشر، وعلى رأسها مرض “الجرب/ السكابيوس”، الذي يشكل اليوم إحدى أبرز القضايا التي يواجهها الأسرى. وقد ساهمت منظومة السجون عمدًا في انتشارها عبر حرمان المعتقلين من مقومات النظافة والعلاج اللازم.
أبرز المعطيات عن معتقلي غزة
منذ بدء حرب الإبادة المستمرة بحق شعبنا في غزة وتصاعد حملات الاعتقال غير المسبوقة، اعتقل الاحتلال آلاف المدنيين من مختلف أنحاء القطاع، بينهم عشرات النساء والأطفال وكبار السن والجرحى والطواقم الطبية والصحفية.
كما يواصل الاحتلال تنفيذ جريمة الإخفاء القسري بحق المئات من المعتقلين، ويرفض الإفصاح الكامل عن هوياتهم وأماكن احتجازهم، كما يرفض حتى اليوم السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارتهم.
وفي ضوء بعض التعديلات القانونية، تمكّنت المؤسسات من الكشف عن مصير مئات المعتقلين في سجون الاحتلال ومعسكراته، وإجراء زيارات في أغلبية السجون والمعسكرات، بينها معسكر “سديه تيمان” الذي شكّل عنوانًا بارزًا لجرائم التعذيب والجرائم الطبية، وكذلك قسم “ركيفت” تحت الأرض.
لا تزال إفادات معتقلي غزة الأشد والأقسى من حيث ما عكسته من جرائم تعذيب واعتداءات جنسية (منها الاغتصاب)، وجرائم طبية، إذ شكّلت شهاداتهم تحولًا بارزًا في مستوى توحش منظومة الاحتلال، وأدت بمجملها إلى استشهاد العشرات منهم، فضلًا عن عمليات الإعدام الميداني التي نُفّذت بحق آخرين.
بلغ عدد الشهداء من معتقلي غزة، ممن عُرفت هوياتهم، 46 شهيدًا، من بين 76 أسيرًا ومعتقلًا استُشهدوا منذ بدء حرب الإبادة.