
56 عامًا على إحراق الأقصى.. ومخاطر الحفريات والتهويد تتعاظم
الشاهين الاخباري
56 عامًا مرت على جريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك، ولا زال الحريق يتجدد ويتصاعد بشكل غير مسبوق وبوسائل مختلفة عبر الانتهاكات الإسرائيلية اليومية ومخططات التهويد والحفريات، في محاولة لتغيير الواقع القائم في المسجد.
وتعود أحداث الحريق إلى يوم الخميس الموافق 21 آب/أغسطس /آب 1969، حين اقتحم يهودي متطرف أسترالي الجنسية يدعى مايكل دينيس المسجد الأقصى، وأشعل النيران عمدًا في جناحه الشرقي.
وفي هذا اليوم الأليم، استفاق الفلسطينيون على جريمة تهزّ الوجدان، حين اندلعت النيران في قلب المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأحد أقدس رموز الأمة.
والتهمت ألسنة اللهب المتصاعدة المصلى القبلي، وأتت على أثاث المسجد وجدرانه، وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، ما تطلب سنوات لإعادة ترميمها وزخرفتها كما كانت.
وطال الحريق داخل المصلى القبْلي منبر “صلاح الدين الأيوبي”، وأجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب الرخامي الملون والجدران الجنوبية، وأدت إلى تحطم 48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد أكثر من ثلث مساحته الإجمالية (ما يزيد عن 1500 متر مربع من أصل 4400 متر مربع)، وأحدثت النيران ضررًا كبيرًا في بناء المسجد وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، ما أدى إلى سقوط سقفه وعمودين رئيسين مع القوس الحجري الكبير الحامل للقبة.
وعندما اندلعت النيران في المصلى القبلي، قطع الاحتلال المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد، وتعمَّد تأخير سيارات الإطفاء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس حتى لا تشارك في إطفاء الحريق، بل جاءت سيارات الإطفاء العربية من الخليل ورام الله قبلها وساهمت في إطفاء الحريق.
تصعيد خطير
ومنذ إحراقه قبل 56 عامًا، يواجه المسجد الأقصى تصعيدًا خطيرًا ومتواصلًا، ضمن سياسة ممنهجة تستهدف طمس هويته الإسلامية وتغيير معالمه الحضارية والتاريخية.
وتتجلى هذه الهجمة عبر سلسلة من الانتهاكات والإجراءات، أبرزها اقتحامات المستوطنين المتصاعدة، وما يتخللها من أداء للطقوس التلمودية العلنية داخل ساحاته، إلى جانب الرقص والغناء والتدنيس وغيرها، تمهيدًا لاقتطاع أجزاء من ساحاته وتحويلها إلى كنيس يهودي، أو تخصيصها كمناطق عبادة دائمة لليهود، إضافة إلى التضييق على المصلين والمعتكفين، واستهداف الوجود الفلسطيني داخل المسجد وفي محيطه.
ولم تقتصر الانتهاكات والممارسات الاحتلالية عند ذلك، بل تسارعت وتيرة الحفريات والأنفاق أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، وآخرها ما كشف عنه الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب لوكالة “صفا”، من نفق وحفريات جديدة تجريها سلطات الاحتلال داخل ساحة البراق غربي المسجد.
ويعمل الاحتلال ضمن مسارات متعددة تستهدف هوية الأقصى الإسلامية ومعالمه التاريخية، مستخدمًا أدوات عسكرية وقانونية وإعلامية وتهويدية، بما يجعل من استهداف المسجد “مشروعًا استراتيجيًا” تتكامل فيه الأدوار الأمنية والسياسية والدينية في “إسرائيل”.
تهديدات غير مسبوقة
وحسب ورقة أصدرتها مؤسسة القدس الدولية، فإن عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد خلال العقد الأخير تجاوز أكثر من 326 ألف مستوطن، بمشاركة سياسيين وحاخامات وأجهزة أمنية وسياح أجانب يتلقون شروحات عن “المعبد المزعوم”.
وأوضحت أن الاحتلال حاول فرض أوقات محددة وأماكن مخصصة لليهود داخل الأقصى لأداء طقوسهم على حساب حق المسلمين فيه، في محاولة لفرض التقسيم الزماني والمكاني.
وأضافت أن الجماعات المتطرفة حاولت فرض “التأسيس المعنوي للمعبد” من خلال أداء الطقوس اليهودية داخل ساحات الأقصى مثل السجود الملحمي، النفخ في البوق، إدخال القرابين، والرقصات الدينية.
وتعتبر “جماعاتُ الهيكل” المتطرفة إدخالَ الأدوات التوراتية للأقصى أحد المسارات الأساسية لتأسيس “الهيكل” المزعوم معنويًا، والتعامل مع المسجد وكأنه قد “بات هيكلًا حتى وإن كانت مبانيه ما تزال إسلامية”.
واستغل الاحتلال وجماعاته المتطرفة الأعياد والمناسبات القومية اليهودية لتحويلها إلى مواسم عدوانية يتخللها اقتحام جماعي للأقصى، فضلًا عن فرض طوق أمني مشدد وإجراءات تعسفية بحق المصلين، من تفتيش ومنع فئات عمرية من الدخول إلى الاعتداءات والاعتقالات والإبعاد عن المسجد.
وما زال الاحتلال يواصل تعطيل أعمال الصيانة والترميم في المسجد الأقصى، بهدف تقويض دور الأوقاف الإسلامية.
وأكدت الورقة أن المسجد الأقصى يقف اليوم في مواجهة تهديدات غير مسبوقة، لم تعد تقتصر على الاقتحامات اليومية أو التضييق على المصلين، بل باتت تعكس مشروعًا تهويديًا متكاملًا يستهدف هويته الإسلامية ووجوده الحضاري والتاريخي.
ويتعرض الأقصى لمحاولات تقسيم زماني ومكاني، ولإجراءات أمنية مشددة تقيد حق العبادة، إضافة إلى مساعٍ حثيثة لتقويض دور الأوقاف المسؤولة عن رعايته وصيانته.
ولم يكن حريق المسجد الأقصى, إلا حلقة من سلسلة حلقات المخطط الإسرائيلي الرامي لتهويد مدينة القدس, وهدم المسجد وبناء “الهيكل” المزعوم مكانه.
وبهذه الذكرى، تؤكد مؤسسات مقدسية أن المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 دونمًا هو حق خالص للمسلمين وحدهم، ولا علاقة لغير المسلمين به بتاتًا، ولا يقبل القسمة ولا الشراكة، ولم يكن بؤرة لصراع ديني عبر التاريخ