
التاريخ يعيد نفسه أيها الصهاينه المجرمون
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الشواطئ ألتى كانت بوابةً للدخول قبل 72 عاماً لفلسطين، تتحوّل اليوم إلى مخرج للهروب.
مشهدٌ يقول أكثر مما تستطيع نشرات الأخبار شرحه، يخبرك البحر بما لا يقوله الناطق باسم جيش الأحتلال الإسرائيلي، وبما لا تجرؤ عليه نيويورك تايمز، ولا أي محطة تلفزيونية غربية، ولا يلتقطه محللو الأمن القومي.
قبل أكثر من أثنان وسبعين عاماً جاءت البواخر من أوروبا محمّلةً بأحلام أستعمارية ومهاجرين مغسولي الأدمغة، هاربين من عقدة الشتات، باحثين عن هوية في أرض مزوّرة، واليوم البحر نفسه يستعد لإستقبالهم من جديد، لا كفاتحين، بل كهاربين، رحلة العودة لم تُكتب في المناهج الدراسية ولا الكتب الجامعية، لكنها تُكتب الآن على تذاكر سفر فاخرة إلى قبرص، وعلى وجوهٍ خائفةٍ تراقب السماء أكثر من البحر.
لم يَعُد في الكيان الإسرائيلي من يثق بأن أحداً يمكنه حمايته؛ لا القبة الحديدية، ولا مقالع داوود الصاروخية، ولا أميركا ولا الدعم الغربي، ولا حتى وهم القوة الذي تربّى عليه الجندي ( الإخرائيلي ).
السماء حبلى بما لا يحتمله عقل المستوطن، إذا أجتمعت كلمة الأحرار والشرفاء في هذه الأمة، ليست المسألة فقط في عدد من غادر والذي تجاوز عددهم 200 الف خلال أسبوع، بل في نوعية من يفكّر بالمغادرة؛ أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال ومزدوجو الجنسية، أولئك الذين لطالما آمنوا أن هذه الأرض ليست وطناً، بل “فرصة”، والفرصة حين تنتهي، ينتهي معها الولاء والأنتماء.
الصورة ساخرة وعميقة في آنٍ معاً : تذكّروا فقط صورة المستوطنين ينزلون من السفن عام 1948، ومعلّق يقول : ” كما جاؤوا … سيرحلون “، وربما لم يكن يعلم من قال هذا التعليق، أنه كان يختصر فلسفة التاريخ بدقة.
من جاء بالغصب، يرحل بالخوف، ومن آذى أهل الأرض الأصليين، يُطرد منها بطريقةٍ أبطأ وأقسى إسمها : المقاومة.
يظنّ البعض أن نهاية الكيان المحتل ستكون درامية؛ إنفجار ضربة نووية، حرب إقليمية وشاملة، لكن الحقيقة أن ما يحدث الآن أشد وطأة : تفككٌ بطيء، ورحيلٌ فردي، وشعورٌ بأن البقاء صار عبئاً لا مجداً، إنه زوالٌ بصمت، تآكلٌ من الداخل، مدينةٌ تُترك قبل أن تسقط، وكيانٌ يتحوّل من مكان يُقاتَل دفاعاً عنه، إلى مكانٍ يخطّط الناس كيف يغادرونه ويهربون من صواريخ ومسيرات إيران المباركة بدون عودة، وهنا في قلب هذا المشهد العائد من رحم التاريخ، نُدرك أن النصر لا يُولد من العدم، بل من صبرٍ ونفس طويل، ونَفَسٍ لا ينقطع، وإيمانٍ لا يتزعزع، نُدرك أن الكيان الصهيوني المجرم الذي بُني على الظلم، لا يمكن أن يستمرّ، مهما طالت أيامه وتكاثرت أسلحته.
إنها لحظة الحقيقة، لحظة تجتمع فيها ذاكرة الأرض بأحلام شعبها، ويعود التاريخ ليكتب من جديد :
أن الحق لا يموت، وأن الطغيان لا يُخلّد، وأن من صمد سيعود، فاستعدّوا، فإن الغروب الذي هناك … يعني أن الفجر هنا وأنه قادم وستشرق شمس الحرية.