
بين فوردو وديمونا: حين تُشعل الصواريخ زلزال الأرض
د. مازن منصور كريشان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من قم الإيرانية إلى ديمونا الإسرائيلية، لا تُشن الحرب فقط فوق سطح الأرض، بل تهدد بانفجار أعماقها. إنها ليست مجرد معركة عسكرية أو ضربة نووية محتملة، بل خطر جيولوجي مركّب، قد يفجّر ما في باطن الأرض من طاقات كامنة ويغيّر شكل الشرق الأوسط حرفيًا.
فهل تتحوّل خطوط الصدع الصامتة في المنطقة إلى شقوق جهنمية؟ وهل يجرّ الصراع العسكري المنطقة إلى كارثة طبيعية وإنسانية لا حدود لها؟
⸻
الوقوف على فوالق النار
■ فوردو: منشأة فوق بركان صامت
يقع مفاعل “فوردو” النووي في عمق الجبال جنوب طهران، في منطقة قريبة من حزام زاغروس الزلزالي، أحد أنشط الأحزمة التكتونية في العالم. الزلازل التي تضرب هذه المنطقة تتجاوز الست درجات باستمرار، في مشهد يُذكّر بأن الأرض هناك ليست مستقرة، بل مختزِنة لغضب ينتظر من يحرّره.
■ ديمونا: على حافة صدع البحر الميت
أما منشأة “ديمونا” النووية الإسرائيلية، فتقع في صحراء النقب، على مقربة من صدع البحر الميت التحويلي، الذي يشكّل الحد الفاصل بين الصفيحتين العربية والإفريقية. هذا الصدع يمتد من جنوب تركيا حتى البحر الأحمر، مارًا بسوريا ولبنان وفلسطين والأردن، وهو واحد من أخطر الفوالق في المنطقة.
بين هاتين النقطتين المتوترتين جيولوجيًا، لا تقاس المسافة بالكيلومترات فقط، بل بما تختزنه الأرض تحتهما من طاقة انفجارية طبيعية.
⸻
سيناريو الكارثة: ماذا لو اهتزت الأرض تحت المفاعلات؟
استهداف مفاعل نووي فوق فالق زلزالي قد يؤدي إلى نتائج كارثية، تتجاوز الخيال العلمي:
• تفريغ مفاجئ للطاقة التكتونية المختزنة.
• زلازل ارتدادية تنتقل عبر الفوالق المجاورة (ظاهرة “الدومينو الزلزالي”).
• احتمال تنشيط براكين خامدة منذ آلاف السنين.
• تسرب إشعاعي واسع النطاق، في بيئة مدمّرة أصلاً بالزلزال.
◉ في إيران:
انهيار مفاعل فوردو نتيجة قصف مباشر قد يتسبب بزلزال تتجاوز شدته 7 درجات على مقياس ريختر، ليضرب مدنًا كبرى مثل طهران، قم، أراك، وأصفهان.
◉ في إسرائيل:
ضربة على ديمونا قد تفعّل نشاطًا زلزاليًا على طول صدع البحر الميت، لتصل ارتداداته إلى القدس، الخليل، عمان، الكرك، وقد تتأثر به دمشق وبيروت.
⸻
بالأرقام: تقديرات الكارثة المحتملة
وفق دراسات جيولوجية وسيناريوهات كوارث:
• زلزال ناتج عن تحفيز فالق زاغروس قد يُسفر عن 100,000 إلى 500,000 قتيل في إيران.
• تحريك صدع البحر الميت قد يؤدي إلى 20,000 إلى 300,000 قتيل في فلسطين والأردن ولبنان وسورية
• هناك احتمال لانفجار بركاني في جبل دماوند شمال إيران، أو في هضبة الحرة الممتدة من جنوب الأردن إلى شمال الحجاز.
لكن الأخطر من كل ذلك هو التلوث الإشعاعي العابر للحدود، الذي قد يصل إلى العراق، الخليج، تركيا، أجزاء من روسيا، وربما شرق أوروبا، مدفوعًا بالرياح والتيارات الجوية العليا.
⸻
الزلازل لا تفهم السياسة
تكمن خطورة هذا السيناريو في أن الأرض لا تُميّز بين من بدأ الحرب ومن يردّ. الزلازل لا تعترف بالحدود، ولا بالتحالفات، ولا حتى بالنيات. وإذا انفتحت شقوق الأرض، فلن تتوقف عند نقطة جغرافية محددة، بل ستجتاح الجميع.
استهداف مفاعلات نووية في هذا السياق، لا يُعد تكتيكًا عسكريًا، بل تهديدًا وجوديًا لكامل المنطقة.
⸻
الخاتمة: أنقذوا العقل قبل أن يتحرّك البركان
في الحروب التقليدية، يمكن الحديث عن إعادة الإعمار، أما إذا فتحت الأرض فمها وابتلعت المدن، فلن يبقى شيء يُبنى عليه.
بين فوردو وديمونا، لا تدور المعركة فقط في الجو وعلى الأرض، بل أيضًا في طبقاتها العميقة. وإذا ما اندلعت النار في جوف الأرض، فلن يكون هناك منتصر، بل خراب مشترك لن ينجو منه أحد.
هل من عاقل يطفىء هذا قبل أن تنفجر الجغرافيا والتاريخ معًا
(والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين )