أقلام حرة

الدبابير


طلعت شناعة

سألت عبد الهادي لماذا تأخرت عن الحضور أمس. قال: يا خوي كنت قاعد تحت شجرة وإجا دبّور وفات في علبة العصير وبعدين ما انتبهت وشربتها وما حسيت الاّ خدّي وارم.
أخذتُ أتأمل وجه صاحبي الذي ظهر عليه الانتفاخ لدرجة ظننت أنه « عامل نفخ بالسيلكون». ما هي صارت « موضة « . لكنه أكد لي أن الدبّور لسعه من « شفته» أيضا ولهذا أصبحت حواسه كلها « معطوبة «.
تذكرتُ حكايتي مع الدبابير وخلال سماعي لقصة عبد الهادي كنتُ أتحسس وجهي الذي تعرض ذات يوم لوابل ـ نعم ، وابل ، من اللسعات الدبّورية، عندما كنا صغارا نلهو في « سيل الرصيفة « حيث الاشجار تنمو وتكبر على جانبي « السيل» مما أتاح لكثير من الكائنات الحَشرية للنمو والتكاثر والترعرع مستفيدة من رطوبة المكان ومن دفء الجو وأيضا من كثافة الأغصان الملتفة حول أشجار المشمش.
كنا صغارا نعبث بأي شيء ولا ندع شيئا أو كائنا « يعتب « علينا. وكان « الجهل « يقودنا الى التهلكة أحيانا. ومن ذلك ، حين رأينا كومة سوداء على الأرض المحاذية للسيل. فنكشناها بأعواد القصّيب التي كانت معنا. ولم ندرك نتيجة « حماقاتنا « الاّ بعد ان حلّقت أسراب من الدبابير فوق رؤوسنا بشكل غطى الفضاء من حولنا. ولم نعد نرى بعضنا. . الا ونحن نسقط تباعا من هول اللسعات الدبورية العنيفة. كان كل منا يتحسس رأسه وأكتافه الغضة ـ باعتبار ما كان ـ. وكان بعضنا يصرخ وآخرون كانوا يضحكون من شدة الصدمة. مجرد تعبير « عبيط « عما أصابنا.
وأذكر أن والدتي ـ رحمها الله ـ أخذت تتحسس رأسي وتقرأ عليّ آيات من القرآن الكريم لكثرة ما تألمت.
ثم استعانت بجارتنا « أُم فايزة « هكذا كانوا ينادونها رغم وجود إبن « ذكر « لديها . لكنها كانت مشهورة باسم ابنتها « فايزة « التي كانت تتمتع بقدر كبير من الجَمال.
« أُم فايزة « اقترحت على والدتي وضع « شوية طين» في المكان الذي لسعني فيه الدبور أو الإخوة الدبابير. وعلى الفور ، مدّت يدها الى سطل كانت تزرع فيه « نعنع» وثبتت شيئا من الطين على رأسي.

في كل مناسبة اذهب اليها، اجد ثمّة ” دبّور ” وأحيانا ” دبّورة ” وأكثر.. ” يزنّون ” ولي ويرمقونني بنظرات ” حاقدة ” و ” كريهة ” و ” نفسهم يرموا علي ّ قنبلة نووية “
..

أنا أخاف من الدبابير. الأصلية .. ولا تهتم ب ” الدبابير ” البشرية..
وربما لو خيرت بين الموت رميا بالرصاص وبين لسعات الدبابير الأصلية.. لاخترت الأُولى.
الدبابير تحاصرك وتلسعك من مختلف الجوانب وتدمي جسدك وروحك.. وهي تبتسم او هكذا تتخيلها.
هي تفعل ذلك ، رغم منظرها الزاهي: أصفر مع أسود مع خطوط متعرجة. يعني الوانها بتنفع « طقم « للستات.
وانا بخاف من « الستات « ومن « السبعات « أيضا!.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page