أخبار الاردنفلسطين

المفقودون..عائلات معلقة بالأمل ومصير مجهول

شفاء القضاة

تقضي أمُ أحمد، في مسلسل التغريبة الفلسطينيّة، سنوات حياتها بانتظار عودة ابنها حسن، الذي فُقدَ خلال الاشتباك مع الانجليز، تنتظر في خيمتها وتسأل كل من تراه عنه، علَّ هناكَ أخبارًا عن ابنها، تمضي سنوات إلى أن يصلها خبر استشهاده، وعلى الرغم من لوعتها وحزنها، غير أنَّ معرفة مصيره كان كفيلاً بإيقاف انتظار العائلة كاملةً لعودته.

هذا الدور الذي لعبه حسن لم يقتصر فقط على الفلسطينيين، وإنما جسّد آلاف الحالات التي عُرفت بعد ذَلك، و الذين صار مصيرهم مجهولاً، أي لا تعرف أسرهم أي معلومات عنهم، أو اعتُبِروا في عداد المفقودين على أساس معلومات موثوق بها، نتيجة لنزاع مسلح، أو عنف أو اضطرابات داخلية، أو أي حالة أخرى، والذين اتُفقَ على تسميتهم “بالمفقودين”؛ بحسب القانون الدوليّ.

مختفٍ منذ 31 عامًا

“عام 1991 أقام ليلة القدر في مسجد اليرموك وبعدها توجهَ مع صديقه إلى فلسطين”، بهذه الكلمات تصف وفاء فريج بداية اختفاء شقيقها محمد منذ 31 عامًا والذي قطع الحدود واختفى بعدَ ذَلك؛ لتصلَ الأنباء عن إطلاقه النار على حافلة جنودٍ إسرائيليّة.

نشرت الأخبار بعدَ ذَلك استشهاد أحد الشابين وهروب الآخر من موقع الحادث، تقول فريج إنَّ “من شاهدوا الجثة أدركوا أنها ليست لمحمد وما وصفوه لنا لم تكن تفاصيل محمد”؛ لتدخل العائلة بعدها في صراعٍ مع الأمل.

تمسّكت والدته بيقين بقاءه على قيد الحياة وعودته سالمًا، ووصلتهم الأخبار بأنه احتمى بإحدى خيم البدو بقدمٍ مُصابة، فيما قال آخرون إنهم شاهدوه في سجن عسقلان بين الأسرى، وأخبرهم ثالثٌ بأن أحد الأسرى في سجنٍ آخر قال إن عائلته في الأردن.

تروي وفاء عن أمها وصولها لكافة المنظمات والجهات الرسمية وغير الرسميّة وطرق أبواب النواب دون فائدة، لافتةً “توقف الناس عن الاختلاط بوالدتي، فهم لا يعرفون ماذا يقولون، هل يواسونها بعودته، أم يخففون عنها لفقدانه؟”.

في حين كان والدها يصّر على رغبته برؤية ابنه أو تسلّم جثته في حال ثبوت استشهاده، إلى أن توفيَّ الأب عام 2021، وقُسمت ورثته التي تركها واستُثنيَّ منها مُحمد الذي اعتبر ميتًا وصدرت له شهادة وفاة.

وتضم قائمة المفقودين الأردنيين في إسرائيل 25 شخصا غالبيتهم من الذين قاتلوا مع قوات الجيش الأردني عام 1967، ومعركة الكرامة عام 1968، وخمسة منهم نفذوا عمليات على الحدود مع فلسطين المحتلة.

المفقودون في القانون

تنصّ المادة 249 من قانون الأحوال الشخصيّة رقم 15 لسنة 2019 أنه “يحكم بموت المفقود إذا كان فقده في جهة معلومة ويغلب على الظن موته بعد مرور أربع سنين من تاريخ فقده، أما إذا كان فقده إثر كارثة كزلزال أو غارة جوية أو في حالة اضطراب الأمن وحدوث الفوضى وما شابه ذلك فيحكم بموته بعد سنة من فقده”.

فيما أكدّت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيين لعام 1977 ضرورة البحث عن المفقودين والكشف عن مصيرهم، والحيلولة دون فقد الأشخاص في سياق النزاعات المسلحة والاضطرابات الأمنية.

وفي هذا الصدد يقول مستشار حقوق الإنسان رياض صبح إنَّ القانون الأردنيّ يهتم بالمسائل التي تُعنى بالزواج أو العائلة؛ لذا يُعتبر المفقود بحكم الغائب، مشيرًا إلى أن القانون الدولي تناول مسؤوليّة الدولة عن الأفراد في إقليمها والداخلين في ولايتها، لكن لا يمكن للدولة أن تتحرّك من تلقاء نفسها.

ويضيف أنَّ من مسؤوليّة الأُسر التحرّك بشأن فقدان أبناءهم، وإبلاغ الدولة بذَلك، وعلى الرغم من ذَلك فلا يوجد ما يشير إلى عدم مسؤوليّة الحكومات عن أداء واجباتهم من أجل المفقودين وأُسرهم.

عشرات الآلاف من المفقودين

تؤكد الناطق باسم اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر في الأردن سجى عليوي وجود عشرات الآلاف من الأشخاص المفقودين بغض النظر عن جنسيتهم بعد أكثر من 10 سنواتٍ بسبب الصراع المسلّح في سوريا.

وتضيف “جمعت اللجنة الدولية في الأردن حوالي 3400 طلب فردي من عائلات في الأردن، دون تمييز على أساس الجنسية، تتعلق باختفاء أقاربهم في سورية”، منوهةً أنَّ اللجنة لا تقوم بالبحث عن الأشخاص المفقودين دون تقديم طلب بحثٍ عنه من قبل أسرته، وفي حال تلقت اللجنة إجابةً بشأن مصير أو مكان وجود الشخص المفقود، يتم إطلاع أسرته على الإجابة.

الدولة والمفقودين

يوضح أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية ليث نصراوين التزام الدولة المتمثل بالطرق الدبلوماسيّة التي تسعى من خلالها للوصول والتواصل مع الشخص المفقود، مشيرًا إلى أنَّ ذَلك يتم من خلال التواصل مع الجهات الدبلوماسيّة عن طريق السفارات الأردنيّة في الخارج والتي بدورها تتواصل مع الجهات المعنيّة للبحث ضمن الإطار والمدة القانونيّة.

ويؤكد ضرورة رعاية الدولة جميع مواطنيهافي الداخل والخارج ومتابعة شؤونهم وجميع مصالحهم والتي يندرج تحتها التبليغ عن وجود أي مفقودٍ في الخارج.

ويتفق معه الخبير صبح بأن مسؤوليّتها تكمن بالبحث عنهم ومعرفة أماكن وجودهم وإذا ما كانوا ضحايا لشخصٍ أو جماعةٍ ما، منوهًا إلى وجودٍ حالاتٍ تقوم الدولة فيها بالقبض على الشخص المفقود وإنكار وجوده لديها، وهو ما يحوّله لاختفاءٍ قسريّ.

ويلفت إلى الحق في وصول الأُسر إلى المفقودين ومعرفة أماكن تواجدهم والتواصل معهم، وتبادل المعلومات بين الدول بهذا الشأن، إضافةً إلى تقديم المساعدة الطبيّة وبرامج التأهيل، مستدركًا إلى أن بعض الدول قد تمتنع عن التعامل مع لجان الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمفقودين، وهذا يصنع تحديًا آخر.

وبدورها ترى الناطق باسم الصليب الأحمر سجى عليوي أنَّ مسؤوليّة السلطات تتمثل بتوفير الإجابات للأسر، في حين أن دور اللجنة متمثلٌ بتقديم الإرشاد والوسائل اللازمة لتعزيز القدرات المؤسسية لتطوير الآليات الضرورية للبحث عن الأحياء، وتحديد هوية الموتى وعمل سجلات تحتوى على المعلومات المطلوبة للبحث عن المفقودين.

ملف أشخاص

يؤكد الناطق باسم وزارة الخارجيّة هيثم أبو الفول إنَّ الوزارة تسعى للبحث عن كلِّ شخصٍ يقوم ذووه بالتبليغ عن فقدانه أو انقطاع التواصل معه؛ لذا فإن هناك ملفًا لأشخاصٍ يتم البحث عنهم والتواصل معهم وتبليغ أُسرهم.

ويشدد على وجود ملفٍ للأشخاص الذين يتم البحث عنهم؛ حيث لا يوجد عدد كبير ليكون هناك ملف للمفقودين، إذ يتم التعامل مع كل الحالات التي يُبلغ عنها، وفي حال كان هناك شخصٌ مُعتقل ووافق على إبلاغ سلطات بلاده عن مكانه يتم التواصل بين سلطات البلدين ومعرفة مكانه وتبليغ أهله، لافتًا ضرورة التعامل مع كل حالةٍ على حدى.

المفقودون والأمل

عام 2010 وجه ديوان المظالم لوالد محمد الدكتور عطية فريج كتابًا رسميًا ذكر فيه أن المعلومات التي وردت من هيئة الأركان في القوات المسلحة الأردنية تفيد بأن ابنه  قضى نحبه أثناء تنفيذ تسلل ضمن منطقة مستعمرة نيف أور الإسرائيلية الحدودية ودفن في الجهة الغربية من جسر الأمير محمد داخل الأراضي الإسرائيلية.

وطالب والده آنذاك الحكومة بالإسراع لإعادة جثمان ابنه وذلك للتأكد من البصمة الجينية، ووجهت اللجنة الوطنيّة للأسرى والمفقودين الأردنيين في المعتقلات الصهيونيّة رسائل إلى رئيسيّ مجلس الأعيان والنواب، ورئيس بعثة الصليب الأحمر الدوليّ في عمان.

وتؤكد شقيقته أن طلب البصمة كان للتأكد من أن الجثة تعود لمحمد، خاصةً بعد أن وصلتهم أخبارٌ عن رؤيته في السجون الإسرائيليّة، وهو ما دفع والدها بالمطالبة برؤيته حيًّا أو رؤية جثمانه.

وعلى الرغم من تأرجح الأمل لدى عائلته في كونه على قيد الحياة، وموت والده قبل معرفة مصير ابنه، تعلّقت والدتهم بقولها إن ابنها على قيد الحياة وإنها ترفض فكرة موته ما لم ترى جثته أو دليلًا على ذَلك.

وراء كل مفقود عائلة

وبحسب اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، “يمكن أن يستمر البحث النشط عن المفقودين لعقود من الزمن”، بالنسبة للوالد أو الطفل أو الأخ أو الزوجة أو الزوج، فإن معرفة ما حدث لأحبائهم يمكن أن يكون أكثر أهمية من الماء أو الطعام أو المأوى، إذ أنَّ خلف كل شخص مفقود، توجد عائلة في حاجة ماسة للحصول على إجابات وتبحث بنشاط عما حدث لأفراد أسرتها.

وتمكنت 30 امرأةً من أمهات المفقودين خلال عام 2022 من الاستفادة من جلسات الدعم النفسي والاجتماعي التي تقدمها اللجنة في الأردن بغية التمكن من مواصلة حياتهن.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page