أقلام حرة

رواية تفوق من حيفا

حمـــادة فـراعنة

وفد أكاديمي فلسطيني رفيع، حل ضيفاً على جامعتي العقبة الطبية والتكنولوجية، الوفد الجامعي من مدينة حيفا المختلطة من مناطق 48، حمل معه إلى العقبة الساحلية، وإلى جامعتيها، تراثاً وصموداً ورواية، تعكس الظلم والمعاناة التي واجهت شعبها، مقرونة مع الحلم و الطموح المشرق نحو المستقبل الفلسطيني المقبل.

عام 1949، بعد عام من نكبة الفلسطينيين، واحتلال ثلثي وطنهم من قبل المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتشريد نصف شعبهم وترحيلهم خارج فلسطين، بقيت الأقلية الفلسطينية في وطنهم، تحملوا عبء الفقر والاضطهاد والتمييز والحرمان في وطنهم الذي لا وطن لهم غيره.

في تلك الأيام الصعبة محدودة الحضور والإمكانيات، تشكلت الكلية العربية الجامعية للتربية، بمبادرة ممن تبقى من الفلسطينيين في مدينة حيفا، بإمكانات متواضعة أكاديمية ومالية وجغرافية، ولكن بعزيمة الصمود والبقاء والتحدي: عدد محدود من الطلاب، يتسللون من القرى المجاورة، عبر الحواجز العسكرية الإسرائيلية، واجراءات الحكم العسكري في عدم التنقل، ومدرسون يتلقون رواتب رمزية بسيطة واغلبهم متطوعون مجاناً، يُدرسون على أضواء خافتة لأطول مدى من ساعات اليوم، بهدف رفع سوية الطلاب وتمكينهم من المواد، ولقلة عدد المدرسين، حيث تقع على المدرس تقديم ساعات طويلة متعددة، وهكذا سنوات طويلة بهذا الجو والمعطيات، تعكس معاناة المكون الفلسطيني الذي بقي في وطنه في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948.

مقابل هذا الظلم القاسي من قبل مؤسسات المستعمرة التي عاملت الفلسطينيين كأعداء وطابور خامس يفتقدون إلى حقوق المواطنة، ونضالهم في سبيل البقاء، ومن أجل تحقيق المواطنة والمساواة لهم كبشر يعيشون في مساحات ضيقة في بلدهم المصادر.

مقابل ذلك، يواجهون القطيعة المفروضة من قبل شعبهم في المناطق الاخرى، ومن قبل أمتهم العربية لغاية عام 1967، حينما وقع الاحتلال الثاني لباقي فلسطين: القدس والضفة الفلسطينية وقطاع غزة.

بعد عام 1967 نالوا جزءًا من التسيب المدروس المحدود، والانفتاح المفروض المقيد، حيث انتقلت الأولوية واهتمام المستعمرة وأجهزتها نحو مناطق الاحتلال الجديدة والعمل على أسرلتها وعبرنتها وتهويدها.

اليوم ثمة البعض من الأطراف العربية تتعامل مع هذا المكون الفلسطيني الذي صمد في مناطق 48، بعد ان حافظوا على هويتهم الوطنية الفلسطينية وقوميتهم العربية وعلى إسلامهم ومسيحيتهم ودرزيتهم، ورفضوا الأسرلة والعبرنة والتهويد، يتم التعامل معهم خارج فلسطين على أنهم قادمون من «إسرائيل» فيدفعون ثمن فلسطينيتهم مرتين، مرة من قسوة الإسرائيليين واضطهادهم لهم، ومرة ثانية من العرب في تعاملهم معهم على أنهم من «إسرائيل».

قيمة زيارة وفد الكلية الأكاديمية العربية للتربية في حيفا إلى مدينة العقبة الأردنية بدعوة من جامعتين: 1- جامعة العقبة الطبية، 2- جامعة العقبة التكنولوجية، أن رئيسي الجامعتين أحمد حياصات ومحمد وشاح امتلكا الوضوح والشجاعة الأكاديمية والوطنية، وسعة الأفق في تقديم الدعوة لإدارة الكلية العربية في حيفا الى: 1-رئيس مجلس إدارة الكلية المحامي المتطوع زكي كمال والذي لا يقبل اي مكافأة على ادارته لمجلس الكلية، 2- رئيسة الكلية الدكتورة دينا خير وطاقم أكاديمي مرافق ليكونوا ضيوفاً على الجامعتين، والتوصل إلى صيغ التبادل التدريسي والطلابي، كواجب وطني داعم ومساند للفلسطينيين، في الإطار الأكاديمي المتخصص المطلوب.

رواية ومعطيات تستحق التوقف والمباهاة لابطالها وعناوينها الذين صنعوا حالة الحضور والتفوق لمؤسسة أكاديمية عربية في حيفا لديها الآن تسعة آلاف طالب، ومئات من الأكاديميين المتفوقين من خريجي أرقى الجامعات العالمية، يعملون مدرسين متفرغين لدى هذه الجامعة الفلسطينية في قلب مدينة حيفا المختلطة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page