أقلام حرة

فيروزيّات

طلعت شناعة

زمان،.. كنا نرقب موعداً لبرنامج إذاعي كان عنوانه « فيروزيات» .
كنا نعتبر الموعد « لقاءً» خاصّا لنا وبنا.
كنا في مرحلة الصبا ومستهل الشباب.
وجدنا أنفسنا نحب « فيروز « وكل يتعلق بصوتها الملائكي. حتى اننا صرنا في مرحلة لاحقة، نشترط فيمن تكون» فتاة أحلامنا « أن تحب فيروز، والا فإن حبنا سيكون « ناقصاً. ونفتعل « متاعب « تافهة، لكي نهرب من تلك العلاقة « غير الفيروزية».
وكان كثيرون يطلقون علينا «المراهقون الصغار». فسلوكنا يوحي بالفوضى والمغامرة والاندفاع، لكننا في لحظات معينة وما يحين موعد « فيروز « ، حتى نتحول الى « كائنات ناعمة ورقيقة وحنونة».
وأذكر كانت تسكن في حارتنا فتاة صغيرة ـ في الصف اول إعدادي ب ـ كان اسمها « جُلنار». وبالطبع كان لدينا فضول لنعرف إن كان أبوها أسماها كذلك بسبب أُغنية فيروز « جلنار». لكن وجه الرجل العبوس لم يكن يمكننا من الاقتراب منه. وكنا نستغرب ان يكون رجلا « فيروزيا « وملامحه.. قاسية.
وكنا نردّد :
« ووعْيت الشمس و زقزق العصفور و ما إجت جلنار «.
ليش ما إجت؟
ومرت سنوات وتعرفنا على آباء أطلقوا على بناتهم أسماء من وحي إعجابهم بصوت فيروز مثل « يارا» . وكنا نتخيلها كما الاغنية « يارا الجدايلها شُقُر . وللأسف ان ال « يارا ..ت « اللواتي عرفناهن ( لسوء حظنا ) لم تكن واحدة منهن ب « جدايل شُقُر». بل بشعر أكرَت.. كنْفوش .
وحين كانت علاقتنا بمن نُحب تنتهي كنا نتذكّر اغنية فيروز :
« لو كان قلبي معي ما أخترت غيركم/ و لا رضيت سواكم في الهوى بدلا «
وكان في حارتنا فتاة كان أجمل ما فيها «عيونها». وبحكم ثقافتنا « الفيروزية « كانت المقارنة باغنيات فيروز. وكنا نغني لها كلما رأيناها ذاهبة الى المدرسة الاعدادية :
« كل السيوف قواطع إنْ جُرّدت/ و حسام لحظك قاطع في غِمده
إن جئت تقتلني فأنت مُحكّم/ من ذا يطالب سيّدا في عَبدِه ؟.
طبعا لم نكُ نُدرك معنى كلمات الاغنية، لكنا كنا نحفظها عن ظهر قلب.
كنا « صغارا»، نملك مشاعر صادقة وأرواحا بريئة. كنا نكتفي بالقليل من الطعام وبكتاب نخبئه تحت وسادتنا ونسهر على ضوء القنديل.
او كما تقول عنا فيروز:
« كانوا زغار و عمرهن بعدو طري
و لا من عرف بهمن و لا من دِري».
يا ريتنا بقينا « زغار».. وما كبرنا
يا ريت!!.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page