أقلام حرة

الموقف الأوروبي من حماس.. سقوط أخلاقي أم ارتباك سياسي؟

 

 

من الممكن تفهم حماسة الولايات المتحدة الامريكية ممثلة بإدارة ترمب للتصويت على قرار يدين المقاومة الفلسطينية في غزة، والممثلة بحركة حماس، ولكن كيف بالإمكان فهم وتفسير الحماسة الاوروبية لتبني القرار والتصويت عليه؛ فالقرار ما كان له ان يمر عبر اروقة الجمعية العامة، والاهم انه لا ينسجم مع الموقف والقيم الاوروبية التي عبرت عنها محكمة البداية الاوروبية الى جانب الرأي العام الاوروبي المتعاطف مع دعوات مقاطعة البضائع الصهيونية.
فالسلوك التصويتي الاوروبي لا ينسجم مع المسار القضائي الذي ما زال قائما في الاتحاد الاوروبي الذي تنتمي اليه اغلب الدول المصوته؛ فلايزال الجدل القانوني حول وضع حركة حماس على قائمة الارهاب قائما؛ فبعد ان اصدرت محكمة البداية الاوروبية قرارا برفع اسم حركة حماس من قوائم الارهاب الاوروبية، اعادته المحكمة العليا الى محكمة البداية، مسار لم يحسم بعد.
كيف لدول الاتحاد الاوروبي مجتمعة ان تتجاوز آلياتها القانونية ومسارها الخاص في رسم معالم سياستها الخارجية باستباق قرار محكمة البداية والاستئناف بوضع نفسها في موقف اخلاقي صعب يتنافى مع قيمها التي تبنتها في منظومة الاتحاد الاوروبي؛ حقائق تشكك بمكانتها كمدافع عن القانون الدولي والقيم الانسانية العليا؛ اذ وضع الاوروبيون انفسهم في موقف محرج بالوقوف في الجهة المقابلة لنصف اعضاء الجمعية العامة الذين صوتوا ضد القرار او امتنعوا عن التصويت لافتقاده للمبررات الاخلاقية والقيمية التي تمنع شعبا من مقاومة الاحتلال والدفاع عن نفسه في حين يعجز المجتمع الدولي عن وقف الحصار والتجويع والاحتلال ويقف متفرجا اما العدوان اليومي على حياته ووجوده على ارضه.
سؤال مشروع يظهر في لجة هذا الجدل، كيف تورط الاوروبيون في التصويت لصالح مشروع القرار، فالولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي بشكل خاص اختلفوا على كل شيء بما فيه ملف القدس ولا يكادون يتفقون على شيء في المرحلة الحالية بما فيه الملف الايراني وملف الحرب التجارية واتفاقية المناخ؛ فما هي مبررات التوافق هذه المرة؟
فطرح مشروع القرار عكس قدرا كبيرا من التهور والغرور المبني على سوء تقدير للموقف السياسي والقانوني والقيمي الاخلاقي؛ فجهود «نيكي هيلي» التي منيت بهزائم متتابعة في الامم المتحدة وجهود نتنياهو ذهبت ادراج الرياح وتحولت الى سراب بقيعة، فلماذا انجرف الاوروبيون خلف هذا التوجه المتهور والتقدير الخاطئ.
من الصعب الحصول على اجابة واضحة، غير ان الاندفاعة الاوروبية نحو تبني مشروع القرار لا يمكن الركون فيها الى سوء تقدير الموقف لوحده والا لما كان لها ان تنجرف وراء هذه الجهود كما حدث مع ملف القدس والملف النووي الايراني، فهل تغلب الموروث والقيم الاستعمارية والاستشراقية القابعة عميقا في عقل النخب السياسية الاوروبية ومؤسسات صنع القرار على القيم الاوروبية المتطورة.
يمكن تفسير الامر بدوافع ايدولوجية واستعمارية كامنة في العقل السياسي للنخبة الاوروبية والاكتفاء بذلك، غير ان التحولات الحاصلة في الرأي العام الاوروبي كبيرة تجاه ملف القضية الفلسطينية واستمرار الجدل داخل اروقة المحاكم الاوروبية ما زال قائما فكيف للنزعة الايدولوجية ان تحسم الامر بسهولة؟ فهل كان للشعور بالحرج الناجم عن التحرك الاسرائيلي تجاه القارة الاوروبية والاتحاد والرغبة في التخفيف من وقع الهزيمة القاسية التي تلقها الكيان في غزة دور في تفسير القرار الاوروبي، ام انه الحرج من النكوص عن الاجماع الغربي تجاه القضية الفلسطينية والثقة المفرطة بقدرة ترمب وادارته الى جانب نتنياهو بتخليق اجماع دولي؟
مشروع القرار الذي روجت له نيكي هيلي وادارة ترمب ومن ورائها الكيان الاسرائيلي جاء بعد هزيمة قاسية للكيان في قطاع غزة؛ لتمثل الجمعية العامة محاولة لاستعادة التوازن وتجريم المقاومة على امل ادخال لاعبين دوليين في المواجهة والصراع تعيد التوازن للكيان خصوصا بعد قرار الخارجية الامريكية اضافة عدد من قيادات حركة حماس على قوائم الارهاب الخاصة بها؛ فالكيان مشروع اوروبي كما هو امريكي في هذه الحالة.
بالرغم من ذلك جاءت النتائج معاكسة تماما للطموحات والتقديرات الامريكية السطحية لتكرس وتشرعن المقاومة وحركة حماس ككيان سياسي معتبر، مقدمة نصرا سياسيا يضاف الى النصر العسكري الذي حققته المقاومة وحركة حماس على المستوى الدولي ارتقى الى مستوى الاعتراف بشرعيتها.
لا يوجد تفسير واحد مقنع يفسر الاندفاع الاوروبي خلف ادارة امريكية متهورة وكيان اسرائيلي مأزوم يعاني من ازمة حكم تعمقت وبلغت احدى ذرواتها الكبرى بتوصية الشرطة الاسرائيلية بمحاكمة نتنياهو، تقابلها ازمة عميقة في الولايات المتحدة يقف على رأسها ترمب، سوى الارتباك السياسي الذي افضى الى سقوط اخلاقي ممزوج بنزعة غرائزية وايدولوجية وتبعية سياسية تعكس انعدام الرؤية السياسية والاستراتيجية لدى دول القارة الاوروبية.
سوء تقدير وارتباك دفع رئيس الوزراء الفرنسي ادوار فيليب بعد ساعات من فشل القرار والحرج الكبير المرافق له الى استدراك ذلك كله بالدعوة إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وتحقيق المصالحة بقوله: «لن يكون هناك سلام من دون حل دائم لغزة، يشمل المصالحة الفلسطينية ورفع الحصار الإسرائيل»، دعوة تمثل استدراكا متأخرا يعترف بالخلل ويسعى على الارجح الى تجاوزه بأقل الخسائر والكلف.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!