أقلام حرة

مهمّة خاصة .. جداً

طلعت شناعة

كنا ونحن أطفال، دون أن نبلغ سن الرشد ـ وأشك أننا بلغناه ـ ، مضحكة، ومسخرة لمن هم أكبر منا. وكان هؤلاء يضحكون علينا بـ « حبة ملبّس» أو « حبتين قضامة « أو « علكة « أو « كوز ذرة « مسلوقة أو مشوية.
كنا نؤدي أحيانا مهام عجيبة، مثل ايصال رسائل بين العشاق في الحارة، ودون ان نعرف ما في أيدينا من كلمات.
وأذكر أنني كنتُ متميزا في هذا المجال. وربما كان لشكلي « الطيب « أو « الأهبل « دور في أن بنات حارتنا ، كنّ يستأمنني على مشاعرهن ومراهقتهن، ويطلبن مني إيصال «رسائل ورقية» الى من يعشقن من الشباب مقابل « حبة شوكلاتة « أو « علكة» كانت أيامها تسمى « علكة مخدّات «. وهي تشبه « الوسادة « وتحتوي على عدة أزرار من العلكة الملونة. وأنا كنتُ طفلا ساذجا، ومن يومي متعاطف مع المرأة ـ رغم أنها فيما بعد «جابت آخرتي» ـ . لكن معلش ، كل واحد بعمل بأصله.
كنتُ أؤدي ما عليّ بأمانة وسريّة تامة ودون أن أفشي الأسرار وحين تلمحني إحداهن ، وأُدرك أنها تريد مني « خدمة « كنتُ أختفي من بين أولاد حارتنا ، وأتسلل الى الفتاة لكي أتناول رسالتها أو المجلة التي تريد ايصالها وكانت غالبا مجلة « الشبكة « أو « الموعد «. وأحصل على مكافأتي فور انتهاء المهمة.
كنتُ سعيدا بما أقوم به، ولمجرد كسب ثقة البنات.
وذات يوم لاحظت أُمّي وجود « طفح أحمر « فوق أجزاء من جسمي. فصرخت. ومن سمعها ظن أن الولد تعرض لمصيبة أو كارثة. واستعانت بالجارات. ونصحتها إحداهن بأن أرتدي فستانا أحمر لمدة يومين كي أشفى من « الحساسية « التي أُصبتُ بها بسبب تناول السمك والسردين والبيض والموز والشيكولاتة. بحسب معتقدات وخرافات الجارات.
طبعا ، هربتُ في البداية و» استحيت» . كيف زلمة يلبس فستان بنت؟
لكن أُمي أصرّت وجابت لي فستان ابنة جيراننا « مزيونة « ـ طبعا اسم غير حقيقي ـ . وتخيلوا الحرج والعرق الذي تصبب على جسدي الصغير وأنا « لابد « في البيت مثل المعتقل خوفا من أن تراني « مزيونة « وتسألني : ليش أخذت فستاني؟
وبعد يومين عدتُ الى الحارة والى «مزاولة عملي» في ايصال الرسائل من والى بنات حارتنا. وحين سألتني إحداهن ّ» وين هالغيبة ، افتقدناك».
وضعتُ رأسي في الأرض، وكنتُ خجلا من القول: بصراحة.. كنت في مهمة… خاصة.!!

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page