أقلام حرة

ما بين اعلاميي التفاهة والفساد..

محمود الدباس – أبو الليث..

في زماننا هذا.. عندما انتشرت ادوات التواصل الاجتماعي.. وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.. يمكنني القول بأنه “اينما وجِدت الإنترنت.. يتساوى الجاهلُ مع العارف”.. فانت لا تعرف مستوى ومخزون الذي يخاطبك من خلف نافذة هاتفك او حاسوبك الشخصي..

وما يهمني في هذا المقام.. هو عند اعتياد ظهور الجهلة على صفحات التواصل الاجتماعي.. ناعتي انفسهم باعلاميي “السوشيال ميديا” واصبحوا اصحاب مواقع وصفحات مشهورة وعليها آلاف المتابعين.. لا بد من انتشارٍ مباشرٍ او غير مباشر لكلامهم وتعابيرهم التي هي في ادنى مراتب الانحطاط الاخلاقي والفكري والعلمي.. والفاقدة لادنى معايير الدقة والبحث والتأصيل..

فتصبح رسائلهم هي المتداولة بين الكثيرين.. والدارجة على السنتهم.. الامر الذي يعمل على تجهيل جيل كامل يقوم بمتابعة هؤلاء.. ويستقون المعلومة والخبر من عندهم.. وللاسف لن تجد رقيبا ولا حسيبا على ما يبثونه وبنشرونه..

فقد ادرج الكثيرون هذه الظاهرة تحت مفهوم (اتركوهم.. التافهون لا يُخرِجون الا تفاهة.. فلا تلقوا لهم بال.. وأن لا تأثير لهم)..
وللاسف لا يخطر على بال اصحاب هذا الرأي.. مدى انتشار هؤلاء التافهين واتساع رقعة تأثيرهم.. فمنشوراتهم تنتشر كالنار في الهشيم..

لا يخفى على كل ذي لب.. ان الجهل هو المِعوَل الذي يهدم المجتمعات.. وهو الذي يجعل الفساد في كامل صوره واشكاله مستشريا في وضح النهار.. فلن تجد منبرا او منصة لمفكر او اعلامي متبصر يكبح جماحه ويقلل من انتشاره وسطوته.. ولها ذلك الصيت او السمعة او الانتشار بين اوساط جيل الشباب..

وحين ينتشر الجهل والفساد لا بد من ان تطغى ظاهرة التفاهة والسذاجة والسطحية في كافة مناحي الحياة.. فأكاد اجزم ان وراء كل تافه يوجد فاسد.. ولانه لا وجود لفاسد متفرد لوحده.. فبالبداهة ايضا لا بد من وجود منظومة فساد تشجعه وتدعمه.. فكلما زاد التافهون والمتابعون لهم.. سيقل الحديث الجاد عن الفساد والفاسدين.. لا بل قد يتبادر للاذهان ان الفاسدين هم مِن الطبقة التي سنجد عندها ضالتنا..

وقد اختصر المفكر الكَنَدي “آلان دونو” صاحب كتاب “نظام التفاهة” صورة المجتمع الذي ينتشر فيه التافهون بقوله “أن التافهين قد حسموا المعركة لصالحهم في هذه الأيام.. لقد تغيّر الزمن.. زمن الحق والقيم.. ذلك أن التافهين أمسكوا بكل شيء بكل تفاهتهم وفسادهم”..

ان العين لتدمع.. والقلب ليحزن.. عندما ارى جيلا وهو يتابع هذا التافه وتلك التافهة من على منصات التواصل الاجتماعية.. وكم كنا نُعَوِل على هذا الجيل بالنهوض في الوطن من كبوته.. وإعادته الى سابق عهده.. معافى من جميع اوجاعه وآلامه.. وما يُدمي العين وينخر الفؤاد هو تشجيعهم ونشرهم لمقاطع واقتباسات هؤلاء الساذجين التافهين دونما وعي.. ان بمتابعتهم ونشرهم هو تسريع في هدم منظومة الاخلاق والقيم والفكر والتعاليم الاصيلة..
وفي ذات الوقت. تجد العزوف شبه الكامل عن متابعة اصحاب الفكر والعلم والثقافة والادب السوي القويم..

أما آن الاوان لتكاتف الجهود للحد من انتشار هؤلاء التافهين؟!..
أما آن الاوان لحماية عقول ابنائنا من جهل وتفاهة هؤلاء التافهين؟!..
أما آن الاوان لان تطَّلع الحكومة بدورها من خلال تحصين المجتمع من امثال هؤلاء التافهين؟!..

فهذه صرخة استباقية لعلها تجد مَن يجيد الاستماع.. ويمتهن التحليل والاستشراف.. ويمتاز بالتطبيق والتنفيذ.. فقد سئمنا “السوفات” ونريد افعالا تُرى.. وليس اقوالا تُسمع..

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page